
تأتي القمة الآمريكية الإفريقية الخماسية المصغرة في سياق دولي أتسم بإعادة تشكيل موازين القوي و تزايد التنافس علي الموارد الحيوية .
بحيث لم يكن إختيار الدول الإفريقية الخمسة، موريتانيا ، السينغال ، الغابون ، ليبيريا ، غينيا بيساو .
إعتباطيا أو عشوائيا بقدر ما هو أمر مدبر بعناية لحضور قمة مصغرة دعا إليها الرئيس الآمريكي دونالد اترامب ،
و هو ما يعد بداية تحول ملحوظ في توجه إدارته للإهتمام بالقارة الإفريقية بعد ما تجاهلها عن قصد طيلة مأموريته الأولي ،
إلا أن تجاهل القارة لم يعد اليوم خيارا واقعيا أو مقبولا في عالم تتسارع فيه الخطي نحو تأمين الموارد و بناء التحالفات و موازنة النفوذ العالمي .
نظرا لما تمتلك إفريقيا و تزخر به هذه الدول الخمس من ثروات معدنية هائلة و مقدرات إقتصادية كبيرة لم تستغل بعد ،
فإفريقيا أرض معطاة .
و هو ما شكل فرصة إستراتيجية للولايات المتحدة الآمريكية التي تسعي لفك إعتمادها علي الصين في المعادن الإستراتجية النادرة ،
حيث تسيطر الصين علي مناجم كبيرة و كبيرة جدا داخل القارة السمراء خاصة في الكونغو و زامبيا و زيمبابوي .
مما جعل الثروات غير مستغلة من هذا القبيل في دول إفريقية خارج سيطرة الصين هدفا و محط إهتمام الولايات المتحدة الآمريكية.
التي تهدف بهذه الخطوة إلي تعزيز أمنها الإستراتيجي و تأمين وصول هذه المعادن إليها دون الإضطرار إلي الإعتماد علي خصومها كالصين الناشطة في هذا المجال إفريقيا .
فالقاسم المشترك بين الدول الخمس هو وفرة و تنوع مصادر الموارد المعدنية الحيوية التي أصبحت بمثابة العصب الجديد في الصراعات الجيوسياسية و الإقتصادية .
كما يأتي أيضا هذا التقارب الآمريكي الإفريقي في محاولة آمريكية لتعويض النفوذ الفرنسي داخل منطقة الساحل من جهة و إيجاد موطء قدم من أجل بسط النفوذ و مواجهة التمدد الروسي من جهة أخري ،
حيث تناولت القمة أيضا الفرص الإقتصادية المتاحة في مجالات و قطاعات المعادن الحيوية التي تهم الصناعات الآمريكية،
إضافة إلي بحث التحديات الأمنية الإقليمية و التنسيق الأمني في غرب إفريقيا و تسويق الإسلحة الآمريكية و ملف المهاجرين غير الشرعيين ... الخ
و هو ما يؤكد و يشير لتوجه آمريكي جديد نحو بناء شراكة واسعة و قوية مع إفريقيا في مواجهة تنافس دولي متزايد علي الموارد و النفوذ .
في حين أنصب إهتمام العالم بشأن هذه القمة المصغرة و تمحور أساسا حول طريقة تعامل الرئيس الآمريكي غير اللائقة مع نظرائه من القادة الأفارقة و ما نالته من تغطية إعلامية واسعة .
تم تفسير هذا التصرف الطائش علي أنه إستخفاف بكرامة الرؤساء الأفارقة،
خاصة أنهم قادة دول ذات سيادة و عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
شاركوا في قمة آمريكية إفريقية مصغرة بدعوة رسمية من البيت الأبيض .
تصرف غير مألوف لا يليق بزعيم أقوي دولة في العالم و لا يناسب مكانة آمريكا و لا مقتضيات اللباقة الدبلوماسية المتعارف عليها في المعاملات بين رؤساء و قادة العالم .
سلوك لا يدل علي أن الرئيس اترامب شخص سوي بل معتوه و مغرور و أحمق بامتياز مهووس بالمال و القوة يظن أن ماله أخلده ،
إنه بالمختصر المفيد فرعون هذا العصر .
لذا لا يمكن في أي حال من الأحوال إن كانت ثمة بقية أخلاق في العالم أن ينال جائزة نوبل للسلام لغياب المعايير و الأهلية لديه .
و لإنحيازه المعلن لإسرائيل و دعمه العسكري اللا محدود و مشاركته إلي جانب السفاح نتنياهو في جرائم الإبادة التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني و التي شملت قتل الأطفال و النساء و الشيوخ والأبرياء داخل قطاع غزة المحاصر و جميع الأراضي الفلسطينية بشكل مستمر و يومي .
و أمام مرأي و مسمع و صمت رهيب من العالم .
بينما يري بعض المراقبين و المحللين أن هذه القمة و ما سيترتب عليها لاحقا تمثل أول إختبار حقيقي للدبلوماسية الآمريكية الجديدة إتجاه إفريقيا القائمة علي الشراكة و التعاون التجاري بدل منح المعونات .
و هو ما لم يعد يتماشى و ينسجم مع السياسات الخاطئة والظالمة للمجتمع الدولي و الحكومات الغربية إتجاه حكومات و شعوب القارة الإفريقية،
المبنية علي منطق دول مانحة و أخري مستفيدة .
في ظل صراع مصالح محتدم بين القوي الإقتصادية العالمية داخل القارة مما زاد من تفاقم و تفشي الفساد و تردي الأوضاع .
وفتح الباب أمام الإهتمام المتزايد بالقارة الإفريقية لكل من الصين وروسيا و تركيا و ايران وعودة النفوذ الجيوسياسي العالمي.
إذ تعتبر إفريقيا محط طموحات يمكن ان تختار شركائها بنفسها طبقا لما يلائم مصالحها و ينسجم مع توجهاتها .
فحكومات وشعوب القارة اليوم ينبغي أن تتطلع أكثر من أي وقت مضي إلي شراكة واسعة مع مختلف القوي الإقتصادية العالمية قائمة علي الثقة المتبادلة و الفهم الواضح للمصالح المشتركة عبر رؤي واستراتيجية شاملة للإستثمار تؤسس لعلاقة اقتصادية قوية و متينة و إستقرار دائم ليس إلا !
تأسيسا لما سبق يعتبر التعاون الآمريكي الإفريقي في مجال التعدين خطوة هامة نحو تحقيق التنمية المستدامة داخل القارة السمراء.
لكن يجب أن يتم التعامل مع التحديات المصاحبة له لضمان تحقيق أقصي فائدة إقتصادية من هذه الموارد لصالح شعوب و بلدان القارة المطحونة.
حفظ الله إفريقيا


