
من المؤسف جدا أن نجد بعض قادة الرأي و الفكري و دعاة الإنفصال
ممن ينشطون في مجال السياسة و حقوق الإنسان و يستثمرون في خطاب المظلومية و الشرائحية و الفئوية و قضايا المجتمع .
كلما ضاق بهم الحال دون الوصول لمبتغاهم سئموا .
و قاموا بنشر و إشاعة أخبار مغلوطة و مضللة من خارج الديار تسيئ لسمعة الوطن و تمس من كرامة المواطن .
بغية تشويه صورة وطننا خارجيا و إلحاق الضرر بسمعته و بأبنائه .
بهدف التشهير أو الإنتقام أو التهكم أو السخرية .
في حين يري بعض المراقبين أن إثارة بعض الجهات لملف القضايا الحقوقية العالقة من خارج الوطن تارة بهذا الشكل المثير للنعرات و حسب المزاج تارات أخري ،
هو إستغلال سيئ و خبيث لقضايا الوطن من أجل تحقيق أهداف سياسية أو فوضوية .
يأتي هذا في زمن أختلطت و تغيرت فيه المفاهيم و طغت فيه أيضا النزعة النفعية علي حساب المبادئ و القيم الوطنية .
و أنقلبت المعايير حتي صار التسليم بالمعاني الحقيقية الثابتة مضربا للشك و التكذيب أو التدليس من قبل البعض .
إن إستخدام المبادئ و القيم و الثوابت علي أساس حقوق الإنسان أو كذريعة لتشويه صورة الوطن والمواطن علي حد سواء .
هو إساءة إستخدام لمفهوم حقوق الإنسان .
يشكل إنحرافا عن الفطرة و خروجا عن الأسس الدستورية للبلاد و السياقات السياسية العادلة .
كما يعد من جهة أخري دعوة هدامة للخروج علي دعائم الوحدة الوطنية .
إذ لا شك أن التحامل الكيدي علي الوطن و السعي لتشويه سمعته و الإرتهان إلي الخارج لحلحلة القضايا الوطنية العالقة أمر مفروغ منه .
لم يعد يناسب المرحلة في ظل نظام ديمقراطي كفيل بضمان حقوق المواطن .
و بفضل الوعي الحاصل لدي الشعب ،
فلا وصية علي الوطن إلا من داخل الوطن و عبر صناديق الإقتراع .
إن التشويه المفتعل لسمعة و صورة الوطن من خلال تقديم حقائق كاذبة مضادة مشكوك في صحتها إلي حد بعيد .
أو عن طريق التخابر لصالح هيئات و منظمات و جهات أجنبية معادية للوطن تتأبط شرا بالبلاد و العباد .
أو عبر إعداد مؤتمرات صحفية ،
كل ذلك لا يمكن أن يضفي أو يعطي الحق أو الشرعية لقضية لاحق لها في الأصل مبنية علي إفتراء و كذب و إختلاق الحقائق و تلفيقها .
و أن صناعة الحدث و التاريخ و تحقيق المكاسب السياسية و المزايا المادية و العدل و التحلي بسلوك المواطنة .
لا يتأتي من تعكير الأجواء أو محاولة تكدير صفو السلم الإجتماعي.
و علي هذا النحو من الإساءة و مخادعة الشعب .
إن النقد البناء ضرورة للإصلاح لا وسيلة للهدم .
فإنتقاد الأوضاع حين يكون مبنيا علي رؤية نزيهة و أسلوب أخلاقي فهو علامة صحة في المجتمع .
غير أن تجاوز حدود الأدب و اللباقة نحو الإساءة للوطن و تشويه سمعته ،
فذلك لا يخدم قضية و لا يبني وطنا .
بالتأكيد مازلنا بحاجة إلي ترسيخ ثقافة المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية .
إذا ما أردنا النهوض بوطننا نحو غد أفضل .
لا يختلف إثنان علي أن موريتانيا بلد محافظ و مسالم و مضياف يكره الغلو و التطرف و لا يؤمن بالعنف ، آمن و مستقر بفضل نجاعة مقاربته الأمنية الوطنية في الحد من التهديدات الإرهابية .
رغم ما يعيشه المحيط الإقليمي من إضطرابات أمنية مستمرة و حالات غليان سياسي و إحتقان طائفي و إنفلات أمني و عنف قاتل لا حدود له .
ففي مثل هذه الحالات من الإساءة ينبغي أن ننحاز إلي جانب الوطن و مصالحه العليا .
و أن لا نرضي تحت أي ظرف كان بالتطاول أو التحامل الكيدي عليه و إلصاق التهم الكاذبة و المفبركة في حق الوطن و أبنائه .
صحيح قد نختلف في الرأي او المواقف مع السلطات أو نعارض النظام الحاكم
حق يكفله الدستور ،
بينما نتفق و نتقاطع علي أن دوران عجلة الإصلاحات داخل البلد بطيئ و يعيقه فساد مستشري أضحي ثقافة سائدة داخل المجتمع .
بسببه أسعار مواد الإستهلاك في إرتفاع متزايد و الخدمات الأساسية في تراجع و تدني و البطالة داخل أوساط الشباب في تصاعد ...الخ ،
نحن في عجلة من أمرنا ،
أملا في أن ينعم المواطن و يستفيد من مقدرات و خيرات و ثروات بلاده و يعيش بكرامة .
( لكن مافيه عجلة قبل إصلاح ) .
إلا أنه ليس من الحق أن نسعي إلي تشويه سمعة وطننا بأي دوافع كانت .
لنتيح الفرصة لكل من يريد السوء او النيل منه أو التقليل من مكانته .
ذلك أن التعبير عن الرأي أو المواقف شأن و الإساءة إلي الوطن أو المواطن بتشويه سمعته شأن آخر .
فماذا أكثر من الإساءة للوطن و العمل مع سبق الإصرار و الترصد علي تشويه سمعته خدمة لآجندات خارجية أو مصالح ضيقة ؟
تأسيسا لما سبق ينبغي أن يعلم المواطن أيا كان أن بلدان و مجتمعات العالم مهما قدمت له من إغراءات و إمتيازات سوف لن تغنيه عن وطنه و أهله .
كما قال الشاعر قتادة ابن ادريس ،
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَت علَّي عَزِيْزَةٌ
وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَّيَ كِرامُ ،
و أكده أيضا الشاعر اللبناني فوزي المعلوف قائلا :
مهما يجر وطني علي و أهله
فالأهل أهلي والبلاد بلادي .
لقد أثبت التجارب مدي دناءة و وضاعة من يسيئ و يشوه سمعة وطنه و يقف مع أعدائه بغض النظر عن الأسباب و المسببات و المبررات و لو بذريعة دعاوي الإصلاح .
لأنها سوف لن تبرر علي الإطلاق .حجم الأضرار الناجمة عن تشويه صورة الوطن و التحريض عليه و الاصطفاف إلي جانب أعدائه .
ما نتطلع إليه اليوم أكثر من أي وقت مضي هو خطاب جامع و حوار شامل بمشاركة الجميع يراعي المصلحة العامة و يمهد للخروج بنتائج إيجابية توافقية تقدم فيها تنازلات مؤلمة تؤسس لمرحلة جديدة من الإنسجام و الوئام و حب الوطن و البناء .
و تحدث قطيعة تامة مع الفساد .
و تحقق عدالة إجتماعية وفق مقتضيات دولة الحق و القانون الكل يجد نفسه فيها .
و تجسد التقسيم العادل للثروات بشكل تعم فيه الرفاهية و تذوب من خلاله كل الفوارق الإجتماعية .
إن الوطن فوق كل إعتبار
و موريتانيا أمانة في أعناقنا .
حفظ الله البلاد و العباد
