مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

جبريل سينبير: ظلّ هيداله… وذراع الطايع الحديدية

“جبريل – بين الحديد والظل”

بانكوك… الباب الأول لموريتانيا؟

من يستطيع أن يتخيل أن أحد أقوى رجال الأمن في موريتانيا، ووزير داخلية الحديد، وُلد من أب فرنسي وُلد بدوره في بانكوك؟

ذلك هو جبريل ولد عبد الله: طفل موريتاني النشأة، فرنسي الأصل، آسيوي الميلاد… كل هذا قبل أن يبلغ سنة من عمره.

وُلد جبريل يوم 25 ديسمبر 1943 في مدينة كيفه، لأب فرنسي هو عبد الله سينبير، عمل أمينًا لخزينة الدولة الفرنسية في آسيا، ثم أُرسل إلى غرب إفريقيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وهناك اعتنق الإسلام طواعية عام 1937، وتزوج من امرأة موريتانية نبيلة تدعى فاطمة بنت دلمه – وهي ابنة عم الرئيس اللاحق المصطفى ولد محمد السالك.

لم يكن ذلك الزواج مجرد علاقة بين شخصين، بل تقاطعًا بين عالمين: الحداثة الأوروبية والبيئة الموريتانية التقليدية. في هذا المزيج وُلد الضابط الذي سيحكم “الداخل” في دولة خرجت لتوّها من الاستعمار.

أمٌ تصنع الرجال – “المنفردة” والتأسيس الاجتماعي

فاطمة بنت دلمه، والدته، كانت أكثر من زوجة إداري فرنسي أو أم تقليدية. أسست في الأربعينيات حراكًا نسائيًا محليًا سمّته “حلف المنفردة”، هدفه كسر العادات السلبية، دعم التعليم، وتحرير المرأة في الداخل. كانت قائدة اجتماعية صامتة، تُعلّم بالقدوة لا بالكلمات.

هذا الجو التربوي، بالإضافة إلى الأب المثقف المتصوف، صنع من جبريل شابًا هادئًا، صارمًا، يحب النظام، ويخاف من الفوضى أكثر من أي شيء.

من كيفه إلى داكار – طفل يبحث عن الدولة

تنقّل الطفل جبريل بين سيليبابي، روصو، تمبكتو، غاو، كيهيدي، انيور، حيث عمل والده في إدارة الخزينة الفرنسية. درس في مدارس فرنسية، وأتقن النظام والانضباط مبكرًا. أكمل دراسته الثانوية في ثانوية فان فولوينهوفن في داكار، حيث بدأ يحتك بالحراك السياسي المبكر في السنغال، ويشاهد عن قرب ملامح الاستقلال.

كان يعرف أنه ليس كغيره: لا قبيلة تحميه، ولا عشيرة ترفعه… فقط الكفاءة والعمل.

بدلة العسكري بدل ربطة عنق الإداري

بعد الاستقلال (1960)، قرر جبريل الانضمام إلى الجيش، وابتُعث إلى مدرسة المدرعات في سومور – فرنسا، فتخرّج كضابط متخصص في العتاد واللوجستيك، وهو تخصص نادر في موريتانيا آنذاك.

ما إن عاد حتى بدأ يُعيّن في مراكز لوجستية استراتيجية، أبرزها إدارة المعدات والتموين العسكري، ثم تولّى لاحقًا تنظيم قوافل الإغاثة إبان الجفاف الكارثي في الستينات، وأطلق خطة عُرفت باسم “عملية العيش”: مئات الشاحنات التي تجوب البلاد لتوزيع الغذاء والدواء.

هنا بدأ يثبت أنه ليس مجرد ضابط… بل منظّم دولة.

من العتاد إلى التجهيز – جبريل يبني ما تهدم

في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، حين كان وزيرًا للتجهيز، نجح في:

• استئناف طريق الأمل بعد توقف التمويل السعودي عند لعيون، حيث تفاوض بنفسه مع الرئيس البرازيلي لإكمال جزء من المشروع.

• بناء سد فم لكليته

• افتتاح طريق بوگه

• تأسيس المختبر الوطني للأشغال العمومية سنة 1983 لفحص الطرق داخل البلاد بدل إرسال المواد إلى داكار.

لم يكن فقط وزيرًا للأشغال… بل عقل تقني يرى أن السيادة تبدأ من المختبر.

 

وزارة الداخلية – البداية الحقيقية للقبضة الحديدية

حين تولّى العقيد محمد خونا ولد هيداله الحكم، أصبح جبريل وزيرًا للداخلية، لكنه لم يكن وزيرًا عاديًا. جمع بين موقعه العسكري والسياسي، وكان يُلقَّب داخل الحكومة بـ”رئيس الوزراء الفعلي”، يترأس لجانًا وزارية، ويشرف على الأمن، ويُراقب الإعلام.

ثم عاد بقوة بعد انقلاب 1984 الذي أوصل معاوية ولد الطايع للحكم، وأصبح من أقرب المقربين له، وتولّى مجددًا الداخلية، وجمعها أحيانًا مع الإعلام أو التجهيز، ليصبح فعليًا “رجل الأمن الأول في الدولة”.

 

1986 – جبريل في مواجهة “الزنجي المضطهد”

في سبتمبر 1986، ظهرت وثيقة سرية من حركة FLAM بعنوان “صرخة الزنجي المضطهد”، تتهم الدولة بالتمييز العرقي.

رد جبريل بقوة: اعتقالات، محاكمات، ونفي للنشطاء.

في تلك اللحظة، تجلى أسلوبه الأمني:

• لا تفاوض

• لا مجاملة

• لا ثقة

واعتبرته التقارير الغربية نسخة موريتانية من “جوزيف فوشيه”، وزير شرطة نابليون.

المقال (والأخير):

“الجنرال في الظل – من أزمة 1989 إلى المنفى والرحيل الصامت”؟

 

 

نقلا عن "صالون انواكشوط Salon Nouakchott"

اثنين, 01/09/2025 - 11:32