مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

لفهم ما يجري في فلسطين حسب ما ورد في سورة الإسراء.. / أحمد سالم ولد لكبيد

نزلت سورة الإسراء وهي مكية بالاتفاق، في السنة الحادية عشرة من البعثة، قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بسنة وشهرين..
وسميت سورة (الإسراء)؛ نظراً لما ذُكر في فاتحتها من إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما تسمى سورة (بني إسرائيل) لأنها تحدثت عن إفسادهم في الأرض وعتوهم فيها..
والعجيب أن اليهود لم يكن لهم شأن مهم عند نزول هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فوجودهم كان أساسا في المدينة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم  قد احتك بهم بعد. 
وحتى ان اليهود لم يكن لهم في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وزن او قيمة فقد كانوا مجرد شعب قليل متشتت بين دول العالم ذليل مضطهد..ورغم ان القوة العالمية في ذلك الوقت كانت تتمثل في الدولتين العظميين يومها، دولة الفرس ودولة الروم، فالاهتمام في القرآن الكريم كان مركزا على بني إسرائيل الذين خصص الله قسما كبيرا من كتابه للحديث عنهم.. وهذا من إعجاز القرآن، ففي الواقع ظل بنو إسرائيل وسيظلون هم محور الكون.
 في البداية إختارهم واصطفاهم لعبادته وجعل منهم أغلب الأنبياء والرسل وأخذ منهم المواثيق المغلظة لتوحيده وعبادته ونشر دينه وخلافته في الأرض. ولكنهم نقضوا عهد الله وميثاقه وقتلوا الرسل وحرفوا كلام الله ودينه وافسدوا في الأرض فغضب عليهم وجعلهم اذلاء ومسخ بعضهم قردة وخنازير، وصاروا محور الشر إلى يومنا هذا ...
وتزامنا مع هذا التطور، تحولت الرسالة من أرض المقدس إلى الجزيرة العربية حيث ارسل الله تبارك وتعالى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيئين إلى الإنسانية جمعاء. ورغم ان بني إسرائيل كانوا يعلمون حقيقة أمره من كتبهم كفروا به حسدا وضلالا.
تبدأ سورة الإسراء بحمد الله على اسرائه بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى: 
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ..
لقد كانت النبؤات والرسالات قبل النبي صلى الله عليه وسلم مهمة ربانية كلف بها كثيرا من بني إسرائيل الذين خصهم الله بالاقامة في الأرض المباركة وهي بيت المقدس وما حوله. فكان اسراء الله بنبيه في تلك الليلة المباركة إعلانا منه عز وجل ان خلاصة رسالاته إلى الناس قد كلف بها رجلا واحدا من صلب النبي إسماعيل عليه السلام ولمرة واحدة ونهائية فلا رسول من بعده، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. 
فكان الإسراء عبارة عن استقدام من طرف الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم إلى الأرض المباركة التي انطلقت منها أغلب الرسالات قبله، وبهذه المناسبة العظيمة جمع عز وجل في ليلة الإسراء جميع الأنبياء والرسل في المسجد الأقصى ليصلي بهم محمد صلى الله عليه وسلم إماما إشارة أنه افضلهم وقائدهم وخاتمهم ثم يعود إلى المسجد الحرام لتتحول إليه بعد ذلك القبلة ويتحول هو إلى مركز الإسلام أي الدين عند الله..
 وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا - ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (2 - 3) ..
تتحدث الآية هنا عن المواثيق التي اخذها الله على بني إسرائيل:
- وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة..
- وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ..
- وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ..
وقد نقض اليهود كل هذه المواثيق المغلظة التي تتعلق اساسا بوحدانية الله وعبادته وتطبيق عدالته على الأرض التي اورثهم اياها.
وأرسل الله رسلا منهم كثيرين إلى عباده من ذرية نوح النبي العبد الصالح الذي قضى عشرات السنين يدعو قومه فلم يستجيبوا وثبتوا على الكفر والضلال، فكلفه الله ببناء سفينة وامره ان يحمل عليها من تبعه مع عيينات من شتى المخلوقات، وقد اغرق الله قومه الضالين. ونزل نوح ومن معه على الارض لتبدأ البشرية رحلتها للمرة الثانية كما بدات في المرة الاولى مع آدم عليه السلام..
وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4).
قضى الله في لوحه المحفوظ الذي كتب فيه مصير الكون والكائنات قبل خلقها أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض مرتين ويعلون علوا كبيرا..
تمثل افسادهم الأول في خيانة الأمانة والمواثيق الإلهية وقتل الأنبياء والعصيان وتحريف كلام الله وقتل الأنبياء وتزوير الحقائق الدينية وتحريف المسيحية ونشر الاباطيل بين البشر ..
فأرسل الله النبي صلى الله عليه وسلم بالدين الحنيف دين الحقيقة والعدالة والخلاص. ودخلت وما زالت تدخل البشرية افواجا في الإسلام في كل مكان وزمان.
وبسنوات قليلة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومع الانتشار الواسع للإسلام، بدأ إفساد اليهود الثاني وكان أخطر من الافساد الأول بكثير فقد أوصل البشرية اليوم إلى أزمة لم تشهدها من قبل ودخلت اعظم فتنة وهي المقصودة بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "مَا مِنْ نَبِيٍ إلاَّ وَقَدْ أنْذَرَ أمَّتَهُ الأعْوَرَ الْكَذَّاب، ألاَ إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّ ربَّكُمْ عَزَّ وجلَّ لَيْسَ بأعْورَ، مكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر".
وحديثه المتفق عليه: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ألا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا عنِ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبيٌّ قَوْمَهُ، إنَّهُ أعْوَرُ وَإنَّهُ يجئُ مَعَهُ بِمثَالِ الجَنَّةِ والنَّارِ، فالتي يَقُولُ إنَّهَا الجنَّةُ هِيَ النَّارُ. 
 وتبعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ المسلم في التشهد الأخير قبل السلام من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. 
وكانت بداية الافساد الثاني انتهاز اليهودي عبد الله بن سبأ الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم واشعاله لفتنة مقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه والتي ما زال المسلمون يدفعون ثمنها إلى اليوم.
ثم كانت الطامة الكبرى عندما قام اليهود بنشر الفكر الغنوصي في العالم الإسلامي.
في الافساد الأول وخلال العصر الهلنستي (333 – 30 ق م) نشر اليهود تيارا دينيا مزج بين العقائد الشرقية القديمة وعقائد الإغريق وفلسفات أرسطو وفيثاغورث وأفلاطون وأفلوطين، وقد عُرف هذا التيار باسم "الهرمسية" التي أثرت في الحالة الدينية لليهود أولًا ثم للمسيحيين بعد ظهور المسيحية. ثم أنشأوا تيارا آخر اكثر إفسادا وتضليلا هو "الغنوصية" وهي كلمة إغريقية تعني (المعرفة) لأن أتباع هذا التيار الهدام انتهجوا طريق المعرفة أو العرفان (معرفة الله)  على اسس فلسفية للوصول إلى الخلاص دينيًا بدل العمل بظاهر النصوص الدينية التي تنتهج طريق العمل والعبادة والأوامر والطاعات.
وبعد الفتوحات الإسلامية وسقوط دولتي الفرس والروم، اخذت الغنوصية تتغلغل في بلاد الإسلام وكان أولى تجليات ذلك ظهور جماعات الزنادقة في العصر العباسي الأول حيث انتشرت الغنوصية وظهرت الفرق الباطنية وفرق الحلول والاتحاد والتصوف الفلسفي،
ومن يومها بدأ يدب الوهن بين المسلمين.
وفي اوروبا كان اليهود خلف الحملات الصليبية ومعها بدأت حركاتهم السرية الهدامة كحركة الهيكل والبنائين الأحرار (الماسونية) والحركة الصهيونية واخطبوط فكري مالي إعلامي سري تآمري انتشر مع الثورة الفرنسية التي مهدوا لها وفي ظل النهضة الأوروبية التي انطلقت من فكرهم. ومع بروز الولايات المتحدة كعالم جديد سيطروا على مراكز المال والصناعة والاعلام والسينما (هوليود) فيها، فنشروا الفساد ودمروا القيم والأخلاق وما تبقى من الدين وغيروا عقيدة الغالبية من البروتستانت ليظهر تيار الانجيليين الذي يسيطر على القرار حاليا في أمريكا ويعمل من اجل دعم الكيان الصهيوني وتمكينه والقضاء على المسلمين. 
وفي ظل التحالف بين هذا التيار الديني المتطرف واليمين الصهيوني تتم حاليا الإبادة الجماعية في غزة وتتعرض الضفة الغربية ومدينة القدس للفتك والتمزيق والبطش..
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا -
 ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا - (5 - 6).
أمام هذا الفساد الشنيع والفتنة التي لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية،  يعطي الله تبارك وتعالى اشارتين لليهود في آخر المطاف.
تمثلت الاشارة الاولى في عملية طوفان الأقصى التي قام بها رجال المقاومة الإسلامية في 7 أكتوبر 2023 وقد جاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا.
وتوفرت إسرائيل على دعم قوي من أمريكا خصوصا والغرب عموما وامدها الله بالنفير والقوة وشنت حربا شديدة الفتك على المقاومة في غزة، وكانت انتقامية وخارج القانون الدولي والعرف الإنساني. ولم توقف إسرائيل الحرب رغم مطالبات المجتمع الدولي الملحة، وحولت الحرب إلى إبادة جماعية عبر القتل والتجويع بدعم من الولايات المتحدة وأصبحت إسرائيل ضد المجتمع الدولي والمنظمات والقوانين واساءت بذلك على نفسها فأصبحت منبوذة ومعزولة.
إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7).
الواو في الفعل "ليسؤوا" عائد على المسلمين..ومن المعروف تاريخيا ان  المسلمين دخلوا بيت المقدس مرتين:
- المرة الأولى كان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث تم فتحها بعد حصار دام ستة أشهر في عام 15 للهجرة (636م) ووقع الخليفة مع أهلها  "العُهدة العمرية" التي ضمنت الحرية الدينية وحرية التعايش داخل المدينة وسمحت لليهود بإقامةشعائرهم فيها بعد 500 سنة من منعهم منها. 
- المرة الثانية كانت في عام 583 هـ (1187م) عندما حرر صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس بعد انتصاره في معركة حطين وقام بتسلم المدينة من الصليبيين.
فالاية هنا تشير إلى دخول المسلمين الأول لبيت المقدس.
وعبارة "ليتبروا ما علوا تتبيرا" دلالتها اعجازية تماما، فاسرائل تعتمد حاليا في حروبها على قوة الطيران المتطور، والاية الكريمة تشير إلى أن المسلمين  سيتمكنون من تدمير الطائرات في الجو بوسيلة لا يعلمها إلا الله.
ومن الإعجاز كذلك الكبير في سورة الإسراء الآية رقم 104 التي وردت في آخر السورة:
(وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا). 
فبعد خروج بني إسرائيل من أرض المقدس تشتتوا في الأرض حتى إذا كان آخر الزمان الذي نحن فيه الآن، جمعهم الله في أرض القدس من أوروبا وامريكا وبقية دول العالم في انتظار المعركة الربانية الفاصلة بقيادة عيسى بن مريم عليه السلام بعد نزوله المنتظر واظن ذلك صار وشيكا والله اعلم.

العقيد المتقاعد أحمد سالم ولد لكبيد

 

أحد, 14/09/2025 - 11:38