
التقاعد الوظيفي
بين صدمة الفراغ و فقدان الجدوي .
ينظر إلي التقاعد الوظيفي علي أنه قدر لا مفر منه ،
و جزء طبيعي من سنة الحياة أو دورة الحياة البشرية .
حيث يفسح المجال للأجيال الصاعدة لتولي المهام و المسؤوليات و المشاركة بشكل فعال في مسيرة التنمية و التقدم .
و علي نحو يضمن الإستمرارية و نقل الخبرات بين الأجيال .
فالتقاعد يمثل نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة في حياة الموظف .
يتطلب إستعدادا نفسيا و إجتماعيا و صحيا .
في حين نجد أن الموظفين في الدول المتقدمة يعارضون زيادة سن التقاعد بسبب الضمانات الإجتماعية المريحة،
بينما يتطلع الموظفون في بلدان أخري لتمديده أو تأخيره نتيجة ضعف هذه الضمانات و صعوبة أوضاع المتقاعدين.
حيث يري بعض خبراء المجال أن رفع سن التقاعد يهدف إلي تحقيق التوازن بين إحتياجات الإقتصاد المتمثلة في تقليل العجز المالي و زيادة الإنتاج .
و بين إحتياجات الأفراد في الحصول علي حياة كريمة بعد التقاعد .
بينما يري محللون و مراقبون للشأن الداخلي عكس ذلك ،
في الوقت الذي يتم فيه تمكين و تدوير المتقاعدين من أصحاب الحظوة و النفوذ دون غيرهم و علي نطاق واسع ،
من تولي المناصب العليا كالتوزير و رئاسة المجالس الإدارية لكبريات شركات و مؤسسات الدولة .
و علي نحو شكل عائقا أمام أصحاب المؤهلات و الكفاءات و الخبرات من فئة الشباب ،
و كرس للغبن و إتساع البطالة و الحرمان من الولوج إلي الوظائف السامية أو التدرج إلي المناصب العليا.
و هو ما يعد إنتهاكا صارخا للعدالة الإجتماعية و تقويضا لمبدأ تكافؤ فرص التوظيف .
يتنافي مع مقاصد المثل الشعبي القائل
( أللي طلست سن يطلسه ) .
ففي سياق تقاعد الموريتانيين سبق و أن قال الإداري المتمرس الطريف و المرح المرحوم ولد برو ،
إن الموظف لدينا بعد التقاعد لا يبقي له من عقله إلا قدر ما يبقي له من راتبه .
قول مأثور يعكس نظرة ساخرة بأن قدرة الموظف العقلية بعد التقاعد تتناسب طرديا مع راتبه التقاعدي ،
وهو تعبير ساخر عن تدني رواتب التقاعد المنخفضة التي لا تكفي لسد إحتياجات الموظف بعد تقاعده ببلادنا و تأثيرها السلبي علي حياة الموظف المتقاعد .
كما يعد أيضا نقدا ضمنيا لسياسات التقاعد التي لا تضمن للموظف مستوي معيشيا لائقا بعد
خدمة سنين طويلة ،
مما قد يؤدي إلي تدهور وضعه الإقتصادي و الإجتماعي.
و دعوة من جهة أخري إلي إعادة النظر في نظام التقاعد لضمان حياة كريمة للمتقاعدين و التأكد من أن دخلهم بعد التقاعد كاف لتغطية مطالبهم الأساسية و الضرورية .
تأسيسا لما سبق يبقي نظام التقاعد رهينا لإرادة سياسية جادة وصادقة ،
و مقدرة مختلف الأطراف علي تجاوز منطق الحسابات الظرفية إلي أفق إصلاحي يستحضر كرامة المتقاعد،
لا كرقم في موازنات الدولة ،
بل كمواطن ساهم بشكل أو بآخر لعقود طويلة و طويلة جدا في بناء الوطن .
بالتأكيد الحياة لا تنتهي عند التقاعد .
نسألك اللهم حسن الخاتمة في التقاعد و بعد التقاعد .

