
الفصل الأول: بذور العزيمة
في حدود عام 1920، على مقربة من الأراضي المجاورة لمالي، وُلِد الباهي ولد عثمان ولد بكار الشين ولد الرسول ولد أعلي أمبكه ولد أسويد ولد محمد خونه. في بيت جمع بين شجاعة الأجداد وحكمة الأمهات. كانت والدته فيطمة منت باريك قد حملت في قلبها آمالًا كبيرة لهذا الطفل، وهو الذي جاء بعد إخوة ستة من أبيه، وأختين من والدته، ليكون الأصغر بينهم، محاطًا برعاية الأم الحانية والحنين العائلي.
لم يكن العمر قد منح الباهي فرصة للتمتع بطفولته بسلام، إذ فقد والده وهو في سن الحضانة. لكن فقدانه لم يكن نهاية الطريق، بل بداية لاكتشاف قوة الروح وعمق الصبر، فكانت الأم حضنًا وسندًا، وقلبها موطنًا للأمان. لم تكن الحياة سهلة، ولكن في كل تحدٍ كان في قلب الطفل الفتي عزيمة تتكون، وبذرة القيادة تنمو بصمت.
حين كان الباهي لم يتجاوز مرحلة الطفولة، ذهبت والدته إلى المشايخ، تسأل عن مستقبله، عن الطريق الذي ينتظره، عن مكانة والده التي فقدها. أجابها الحكماء بابتسامة مليئة بالأمل: "ابنك، إن شاء الله، حين يبلغ سن الرشد، سيتولى قيادة القبيلة، وسيحمل إرث أبيه بفخر وعدل."
وهكذا، نشأ الباهي بين اللعب والجد، بين فرح الطفولة ومسؤولية النبوءة التي حملتها والدته على قلبها. في كل خطوة، في كل نظرة، كانت تُزرع فيه بذور الرجولة، عزيمة القائد، وحب العدالة التي ستصبح فيما بعد سماته الأبرز.
لم يكن مجرد طفل صغير، بل كان مستقبل قبيلة بأكملها، يختزن في صمته وعينيه قصة أجيال لم تُكتب بعد، ويمضي في درب لم يعرفه بعد إلا الله، ولكن كان الأمل يسري فيه كما يسري النهر بين الحقول، صامتًا، ثابتًا، لا يعرف الخوف.
الفصل الثاني: صخور الطريق
كبر الباهي في قلب قرية حدودية متواضعة، محاطًا بأخوة من الأب وأخوات من الأم، يحرسه حب والدته وإيمانها بقدراته، ولكن الطريق أمامه لم يكن مفروشًا بالورود. منذ صغره، تعلّم أن الحياة ليست فقط عن القوة الجسدية، بل عن الصبر والحكمة، عن القدرة على قراءة الناس وموازنة الصراعات قبل أن تنفجر.
مع بلوغه سن المراهقة، بدأت التحديات تتجلى أمامه. انقسامات داخل القبيلة، مؤيدون ومعارضون، صراعات على النفوذ والسلطة، وعيون الفرنسيين تراقب كل خطوة، يتدخلون حين يشاءون، ويسجلون الفشل والنجاح بحسب مصالحهم.
كان عدد مناصريه محدودًا في البداية، لكن الباهي لم ييأس. كل لقاء، كل حديث، كل موقف كان يدرس بعناية. تعلم أن القيادة ليست مجرد لقب يُمنح، بل مسؤولية تُكتسب بالإرادة والحكمة والعمل الصبور. كان يستمع للشيوخ والقضاة، يوازن بين القوة والعدل، يعرف متى يحسم النقاش ومتى ينتظر الوقت المناسب.
وفي عام 1952، جاء اليوم الذي تحول فيه حلم والدته ونبوءة المشايخ إلى واقع. بعد دراسة متأنية من المستعمر الفرنسي، وبضغط خفي من بعض الشيوخ التقليديين، تم تنصيب الباهي قائدًا للقبيلة. لم تكن العملية سهلة، فقد اندلعت مشادات كلامية بين الأطراف المتنازعة، لكن حضور العسكر الفرنسي فرض السيطرة، وتم التوصل إلى تنصيب ناجح دون أي خسائر مادية أو معنوية.
كانت هذه اللحظة بمثابة ميلاد قائد جديد: رجل لم يأت من فراغ، بل من صبر وعزيمة، رجل صاغته الصعوبات، وشكلته النزاعات، وأضاءته رؤية والدته منذ أن كان طفلاً.
وبعد أن تولى القيادة، بدأ رحلة البحث عن الأرض التي ستجمع أهله وأبناء عمومته، أرض يمكن أن تكون وطنًا لهم، مكانًا يُخلّد اسم القبيلة ويجمع شملها. وفي سنة 1962، وبمبادرة من الشيخ العام لتنواجيب، شيخنا ول أعلي، حصل على قطعة الأرض بوثيقة خطية مكتوبة. وعند حصوله على هذه الأرض، أسس عليها ما أصبح فيما بعد قرية محم جيرب، وبدأت الأسر الأولى بالسكن فيها، فتشكلت نواة المجتمع الجديد، مجتمعًا يعكس قيم العدل والمساواة التي حملها الباهي في قلبه.
الأسر المؤسِّسة كانت: محينه منت عين ذيب، اعفينا منت حيبلا، شيخ ول حيبلا، أمريم منت أبي، أهل شيخ أحمد، شويهرا منت أمبارك (أخت الباهي ووالدة أهل عبدي سالم)، محمد لمين ول أبي، وأخويدم منت لقظف أهل أعبيد. مع مرور الوقت، أصبحت القرية مركزًا يرمز إلى وحدة القبيلة وعزمها على الصمود والتقدم.
الفصل الثالث: تاج القيادة
بعد أن استقر الباهي على قيادة القبيلة، أصبح يحمل على عاتقه مسؤولية أكبر من أي إنسان آخر في تاريخ قبيلته. لم تكن القيادة مجرد لقب يُكتب في سجلات الفرنسيين، بل كانت قيمة، أخلاق، وعدالة تُعاش يوميًا.
واجه الباهي في البداية تحديات داخلية كبيرة: انقسامات بين المؤيدين والمعارضين، واحتكاكات بين الفصائل المختلفة في القبيلة. كان عليه أن يُثبت للجميع أن القوة ليست بالتهديد، وأن القيادة الحقيقية تُبنى على العدل والحكمة والصبر. وبفضل نظرته الثاقبة، استطاع أن يحقق التوازن بين الأطراف المتنازعة، في حين لاحظ الجميع شخصيته القوية، ودماثة خلقه، وحرصه على وحدة القبيلة.
لم يقتصر اهتمامه على الصراعات الداخلية، بل امتد إلى بناء مجتمع متماسك. بدأ بتطوير الأراضي التي حصل عليها في محم جيرب، وجعلها مركزًا يجمع كل أفراد القبيلة، ويوفر الأمن والاستقرار، ويُعلي من شأن أهلها. أسس نظامًا يحمي الحقوق ويضمن العدالة للجميع، حتى للقبائل المجاورة، فكان الرجال والنساء يلجأون إليه عند كل نزاع، ويجدون عنده العدل بلا تحيز.
كان الباهي أيضًا مثالاً في الشجاعة والبطولة. فقد قاد القبيلة في عدة مواجهات دفاعية ضد أي تهديد خارجي، محافظًا على أراضيهم وممتلكاتهم. لم يكن عنفًا بلا سبب، بل حكمة وقوة في الوقت المناسب. هذه المواقف جعلت اسمه يتردد في كل المجالس، ليس فقط كقائد قبلي، بل كرمز للعدل والمساواة.
وبجانب دوره القيادي، حافظ الباهي على علاقاته العائلية. كان زوجًا محبًا لزوجاته، وأبًا مخلصًا لأبنائه: محمد فال، ماه، بهاه، مصطافي، الشيباني، محمد، وابنته أفيطمه، اسقومه، ولاله. اهتم بأن يعرف كل فرد من أسرته واجباته ومسؤولياته، ويرتبط بالقيم التي تعلمها منذ الصغر: العدل، الشجاعة، واحترام الآخرين.
كما كان حاضراً في المحافل الرسمية، ممثلاً للقبيلة أمام كبار المسؤولين، ومنهم المخطار ول داداه، الرئيس الأول للجمهورية الإسلامية الموريتانية، في بداية السبعينات. وقد أسهم حضوره في تعزيز مكانة القبيلة وإظهارها كرمز للعدالة والقيادة الحكيمة في المنطقة.
لم يكن الباهي مجرد قائد، بل رمزًا حيًا لوحدة القبيلة، ومرآة لصفاء القلب وحكمة العقل. كل قرار يتخذه كان مدروسًا بعناية، كل حكم يصدره كان منصفًا، وكل موقف يتخذه كان لتوحيد شعبه وتحقيق الاستقرار.
وبين البطولات والقرارات الحكيمة، عاش الباهي حياته بأمانة وإخلاص حتى جاءت نهايته في عام 1986، بعد صراع مع المرض. ومع وفاته، انتهت حقبة كاملة من القيادة والشياخة، وبقي إرثه من العدل والشجاعة نورًا يضيء طريق أجيال القبيلة، ليظل اسمه محفورًا في ذاكرة كل من عرفه أو سمع عنه، رمزًا للقائد الذي جمع بين القوة والرحمة، بين الشجاعة والعدل، بين الولاء لأهله والاحترام للآخرين.
الفصل الرابع: النور الذي لم ينطفئ
حين رحل الباهي عن هذا العالم في عام 1986 بعد صراع طويل مع المرض، لم تكن وفاته مجرد نهاية حياة رجل، بل نهاية عصر من القيادة والعدالة والحكمة في قبيلته. ومع ذلك، لم تنطفئ شعلة إرثه، بل بقيت مضيئة في كل ركن من أركان قرية محم جيرب، وفي قلوب كل من عرفه أو سمع عن سيرته.
لقد ترك الباهي وراءه قبيلة موحدة، متماسكة، ومبنية على قيم العدالة والمساواة التي عاش من أجلها. كل قرار اتخذه، وكل حكم أصدره، وكل موقف تميز به، أصبح مرجعًا للأجيال القادمة، مدرسة عملية تعلم فيها الصغار والكبار معنى القيادة الحقيقية، معنى أن تكون القوة خادمة للعدل، لا للسيطرة أو التسلط.
تحدث الناس عن بطولاته وشجاعته في مواجهة التحديات، وعن حكمته في تسوية النزاعات الداخلية والخارجية. فحتى بعد وفاته، كانت قصصه تُروى في المجالس، وتذكرها الأمهات للأطفال كدرس في الصبر، والحكمة، والشجاعة.
وقد استمر أبناؤه، محمد فال، ماه، بهاه، مصطافي، الشيباني، ومحمد، في حمل إرثه، ليس فقط كرؤية للعائلة، بل كرؤية لكل أفراد القبيلة. تعلموا منه أن القيادة مسؤولية، وليست مجرد لقب، وأن القوة الحقيقية تكمن في خدمة الناس وإعلاء قيمهم.
أما قرية محم جيرب، فقد أصبحت رمزًا لوحدة القبيلة واستقرارها، مركزًا يجمع أهلها ويُظهر للعالم الخارج عن القبيلة أن العدل والاحترام المتبادل يمكن أن يكونا أساس بناء مجتمع كامل.
وحتى القبائل المجاورة، الذين عرفوه وتعاملوا معه، ظلوا يذكرونه باسم الرجل العادل، القائد الحكيم، الشجاع الذي لا يظلم أحدًا. لم تكن مكانته مجرد مركز للسلطة، بل مثال حي للإنسانية في القيادة.
في المحافل الرسمية، استمرت أسماؤه وذكراه تُذكر، وأصبح نموذجًا يُدرس في المجالس واللقاءات التي تجمع القبائل في المنطقة، من أجل تعلم فنون الحكم الرشيد والعدل بين الناس.
لقد عاش الباهي ليعلم أن القيادة ليست امتيازًا، بل رسالة، وأن إرث القائد الحقيقي يُقاس بما يتركه من قيم في نفوس الناس لا بما يتركه من ممتلكات. وهكذا، بقي اسمه نورًا مضيئًا للأجيال القادمة، وإرثه درسًا خالدًا في الشجاعة والعدل والحكمة.
### *الفصل الخامس: ظلّ الإحسان*
لم يكن الباهي ولد عثمان ولد بكار الشين رجلَ نسبٍ فحسب، بل كان من أولئك الذين تُرى آثارهم قبل أن تُرى وجوههم، ويُعرف كرمهم قبل أن يُعرف اسمهم.
كانت يداه مفتوحتين بالخير، كأنما خُلقتا للمنح والعطاء، حتى غدا اسمه مرادفًا للكرم في ألسنة الناس، من القاصي والداني، من أبناء عمومته إلى القبائل المجاورة التي وجدت في ظلاله أمنًا ورزقًا.
كان إحسانه يعبر حدود الدم، فلا يقف عند قرابته أو عشيرته، بل يفيض على الجميع.
فقد منح قطعة أرض كريمة لمجموعة إيدوبوسات المعروفة اليوم بـ«الزمية» التابعة لبلدية *حاسي عبد الله، ثم وهب أرضين أخريين لمجموعة *إيفولان المعروفة بـ«آشويف» و«إدار» في مقاطعة *اطويل*.
ولم يكن ذلك من باب المصلحة أو الحسبان، بل عن طيب نفسٍ، وإيمانٍ بأن الأرض لا تثمر إلا إذا غُرست فيها النية الصادقة.
كان يقول في مجالسه، كما نقل عنه الرواة:
> “الكرم لا يُورَّث في المال، بل في القلب؛ من كان قلبه واسعًا اتسعت له الأرض بما عليها.”
هكذا عرفه الناس — محسنًا بوجهٍ بشوش، وصوتٍ يحمل هيبة الجدود، يكرم الضيف ويؤمن بأن السخاء سبيل الخلود في الذاكرة.
حتى غدت سيرته تُروى في مضارب القبائل، ويستشهد بها الحكماء في المجالس، بأن الرجل الذي يُكرم غير أهله قد بلغ تمام المروءة.
فما بين حاسي عبد الله واطويل، بقيت الأرضُ شاهدةً على عطائه، والنخيلُ يحكي قصصًا عن رجلٍ آمن أن الخير لا يُقال… بل يُفعل.
---
### *الفصل السادس: طبل أهل أسويد – إرث الصدى والقيادة*
منذ قرونٍ بعيدة، وقبل أن تُكتب سجلات التاريخ الحديث، كان في بيوت أهل أسويد رمزٌ يعلو على كل رموزهم، شيء لا يُقاس بمالٍ ولا يُورث كالأرض، بل يُصان كما تُصان الهيبة، ويُجدد كما تُجدد العهود.
ذلك هو *“طبل أهل أسويد”، الملقب بـ **أبو أكعارا* — إرثٌ تقليديٌّ قياديٌّ ضارب الجذور، تجاوز عمره الأربعمائة عام، ورافق القبيلة في سلمها وحربها، في فرحها وأيام محنتها.
كان هذا الطبل صوتَ القبيلة حين تُنادى للجمع، وعنوان وحدتها حين تتفرق الأهواء.
وقد ورد اسمه مرارًا في أشعار الشعراء، الذين وصفوه بأنه “لسانُ المجد” و“ذاكرةُ الأرض”، إذ لا يُضرب إلا في أمرٍ جلل — نصرٍ أو بيعةٍ أو اجتماع كلمة.
ورثه أهل أسويد جيلًا بعد جيل، وكل جيلٍ يُجدده ليبقى حيًّا، كما تُجدد الأرواح عهدها بالحياة.
وفي حياة الباهي ولد عثمان، كان تجديده مسؤولية تُؤدى من مال الجماعة، لكن بعد رحيل الباهي رحمه الله، تقاعست الأيدي عن حمل العبء، وكاد الطبل يصمت إلى الأبد.
إلا أن القدر ساق رجلًا من طين أبيه، يحمل نفس الشجاعة والغيرة على الإرث —
ذلك هو *ماه ولد الباهي ولد بكار الشين، الذي تولى عام **1991م* تجديد الطبل على نفقته الخاصة، إيمانًا منه بأن الصوت الذي يجمع لا يجوز أن يخفت، وأن بقاء “أبو أكعارا” هو بقاء للروح الجامعة لأهل أسويد.
ظل الطبل شاهدًا على العهد، حتى جاء عام *2011م، فتجدد مرة أخرى بيد **محمد فال ولد الباهي ولد بكار الشين* — أطال الله عمره — الذي أكمل المسيرة، وأعاد للطبل بريقه وصوته، فظلّ محفوظًا إلى اليوم عند أسرة المرحوم، رمزًا لتاريخ لا يُنسى، وصدىً لرجالٍ لم يخلفوا إلا الفخر.
وهكذا، كما كانت الأرض التي وهبها الباهي صدقةً جارية، كان هذا الطبل إرثًا خالدًا —
يدقُّ في كل جيلٍ ليقول: “هنا مرّ أهل أسويد، وهنا بقي صدى المجد.”
---
### *الفصل السابع: أبناء الباهي – سيرة الأمانة والمسؤولية*
لم يكن الباهي ولد عثمان ليترك خلفه فراغًا؛ فقد أنشأ رجالًا من طين الصدق، وربّاهم على أن الشرف لا يُقاس بالقول بل بالفعل، وأن خدمة الناس امتداد لعبادة الخالق.
ومن صلبه خرج رجال حملوا إرثه كمن يحمل النار في الرماد، لا ليحرقوا، بل ليضيئوا الطريق لمن بعدهم.
*محمد فال ولد الباهي – العسكري الهادئ*
وُلد سنة *1952م* من رحم السيدة الفاضلة *اخليفة منت علاي* رحمها الله.
كان هادئ الطبع، رزين الملامح، لا يتحدث كثيرًا لكن فعله يسبقه.
اختار طريق الخدمة الوطنية، فالتحق بالجيش سنة *1982م*، ولبس البزة العسكرية مؤمنًا بأن الدفاع عن الوطن هو أعلى درجات الوفاء.
ظل في صفوف الجيش حتى تقاعد، بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالانضباط والعطاء، فكان مثال الجندي الأمين، الذي يترك أثره دون ضجيج.
*ماه ولد الباهي – المهندس الحالم بالنظام*
وُلد سنة *1954م* لأمه *آمنة منت محمدي راجل* رحمها الله.
منذ صغره كان شغوفًا بالنظام والدقة، فدرس بمدينة *لعيون* سنة *1979م، ثم التحق بشركة **اسنيم* سنة *1982م*، وتخرج مهندسًا مختصًا في مجال الإطفاء.
أسس مكتبًا مرخصًا للدراسات في مجال الإطفاء، ثم عمل خبيرًا في *شركة سوكوجيم* عام *2006م, وبعد تقاعده تابع العطاء في **شركة الحراسة للمتقاعدين العسكريين* كخبيرٍ ومدرب.
رحمه الله رحمة واسعة وجعل علمه صدقة جارية.
*بهاه ولد الباهي – امتداد الظل الهادئ*
وُلد سنة *1960م* في محم جيرب، لأمه السيدة الفاضلة *منت ممادي منت اسعيد* رحمها الله.
تربى في بيت والده، مرافقًا له كظله، فنهل من طباعه الصبر والحنكة.
وبعد وفاة الباهي، كان بهاه هو الامتداد الطبيعي لوالده، حافظًا للعهد، جامعًا لشمل الإخوة، ومسؤولًا عن الأسرة بتفويضٍ منهم، كما هو مسؤول أمام الله والتاريخ.
يعمل في مجال التنمية، ويشغل منصب *مستشار في بلدية حاسي عبد الله، وظلّ كما وصفه أهل منطقته: *“رجل إذا قال فعل، وإذا وعد وفى.”
*مصطافي ولد الباهي – جيل الطموح الجديد*
وُلد سنة *1980م* من السيدة الفاضلة *خاديجة منت حدمين ولد الشمرة* رحمها الله.
نشأ على حب العلم، وتابع دراسته حتى الثانوية، ثم عمل في *الشركة الوطنية للكهرباء، قبل أن يتجه إلى **مجال التجارة*.
ورث من أبيه الجرأة على البناء، ومن أمه الصبر على الطريق، فكان مثال الجيل الجديد الذي يجمع بين الأصالة والطموح.
وهكذا مضت سيرة أبناء الباهي —
كلٌّ منهم يحمل لونًا من ألوان أبيه، يكمّل الصورة التي رسمها الجد العظيم.
لم يكونوا نسخًا متشابهة، بل فصولًا من كتابٍ واحد عنوانه: *الأمانة والمسؤولية*.
وبهم بقي اسم الباهي مشعًا في حاسي عبد الله واطويل، كما تبقى جذوة النار متقدة في بيتٍ لم ينطفئ مجدُه.
---
### *الفصل الثامن: إشويهرا منت امبارك – المرأة التي حملت الإرث*
في كل بيت من بيوت أهل أسويد، هناك أسماء لا تُنسى، وتبقى في الذاكرة علامةً على القوة والوفاء. ومن بين هؤلاء، كانت *إشويهرا منت امبارك، المعروفة بـ *واوا، رمزًا للتضحية والحكمة، وعمادًا للقبيلة حين اهتزت أواصرها في أوقات الانقسام.
لم يكن الانقسام في القبيلة وقتها مجرد خلاف عابر، بل اختبارًا لكل من كان يحمل على عاتقه إرث القيادة والمسؤولية.
وكانت إشويهرا، بعقلها الصائب وقلبها الكبير، أول من وقف إلى جانب أخيها *الباهي*، تدعمه في السرّاء والضراء، وتُضحي بكل ما تملك من فضة وذهب، ليس من أجل الشهرة، بل من أجل حفظ شرف العائلة واستمرار إرث الجدود.
لم تقتصر جهودها على المال، فقد استخدمت نفوذها بين رجال القبيلة، النُخب والصالحيين، لتأمين النصرة للباهي، ولتوحيد الصفوف حول الحق.
وكانت دائمًا تقول، كما يرويها أهل القرية:
> “إذا عرفتِ الطريق الحق، فلا تترددي في أن تمشي فيه، ولو كان الطريق وعراً، فالأرض لا تُزرع إلا باليقين والعمل.”
وبعد رحيل الباهي رحمه الله، لم تتوانَ عن الوفاء، فأصبحت الأم الحنونة، والملاذ الآمن للأبناء، والأخت الحانية على الجميع، تواصل العناية بهم كما اعتنت بأخيها في حياته.
وكانت مثالاً حيًا على أن قوة المرأة لا تقاس بالسيطرة، بل بالقدرة على حفظ الكرامة، ودعم العدل، وإتمام ما بدأه الرجال من أجل القبيلة والأسرة.
وهكذا، بقيت إشويهرا منت امبارك في ذاكرة أهل أسويد، رمزًا للوفاء، وواجهةً من واجهات الكرم، وتاريخًا حيًا يُذكر بين الأجيال، كما يُذكر اسم الباهي، باسم من استمد من إخلاصها العون والصبر، وبذلك تُكمل الحلقة الذهبية في كتاب العائلة الكبير.