مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

هيبة و مكانة المعلم بين ماض من الإحترام و حاضر لا يعيرها الإهتمام/ بقلم: اباي ولد اداعة

أثار قرار القضاء الموريتاني بشأن إحالة معلم للسجن بتهمة الإعتداء بالضرب علي تلميذ داخل الفصل أساء إليه و ناطحه بالقول و اللفظ دونما خوف أو خشية في محاولة لإسكاته و تأديبه تجاوزت حدود اللباقة في الإتجاهين .

وفق ما تضمنه محتوي فيديو انتشر علي نطاق واسع وثق الحادثة لحظة وقوعها -

ردود فعل متباينة و جدلا واسعا داخل الفضاء الأزرق و تسبب في إستياء كبير داخل أوساط المعلمين .

انقسم علي إثره الشارع الموريتاني ما بين : -

. مؤيد : يري بأنها خطوة جد إيجابية في إتجاه تطبيق القانون الذي يحمي الأطفال و ضرورة محاسبة المعتدين علي التلاميذ القصر ضمن ما يعرف بالعنف المدرسي غير مبرر تحت أي ظرف كان ،

لما قد يترتب عليه من أضرار و مخاطر علي حياة و سلامة الأطفال،

. و معارض : يري بأنها إهانة غير مسبوقة لهيبة و مكانة المعلم في ضوء واقع يعيشه المعلم علي مضض و يتجرع مرارته في ظل غياب واضح لدور المؤسسة التربوية في تشريع القوانين لحمايته و الذود عن رسالته علي غرار قانون الرموز .

بالتأكيد لو أدرك أمير الشعراء احمد شوقي بأن زمنا سيأتي من بعده لا يقوم أحد فيه للمعلم قدرا و لا يحظي فيه بشيئ من التبجيل و لا بقانون يحميه ،

لما أنشد بيته المشهور : -

قم للمعلم و فيه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا .

كان التعليم في الماضي يخضع لنظام و قوانين عرفية صارمة في ظل قيم سائدة حينها متأسسة علي ضوبط أخلاقية و ثوابت دينية و وطنية و علي ثقافة طورها الوعي الفطري للموريتانيين.

فكان المعلم يستشعر القيمة الكبيرة لمهنته بصفته صاحب رسالة و ليس موظفا بدوام جزئي ،

مما أكسبه تقديرا و إحتراما كبيرين داخل الوسط المدرسي و المجتمعي .

في ظل التركيز علي صدق النوايا و حب الدراسة و الرغبة في التعلم و إكتساب المعرفة .

فرغم ضعف الموارد و قلة الإمكانات و صعوبة وسائل الإتصال و التواصل أنذاك .

كان المعلم صاحب مكانة مرموقة إجتماعيا ،

لا أحد يستطيع التجرؤ عليه سواء كان طالبا أو ولي أمر

بحيث كان يملك صلاحيات واسعة داخل الصف و خارجه .

لدرجة أننا كنا نخشي و نحن أطفال اللعب في الباحات و الساحات العمومية و نختفي بسرعة كلما شعرنا بقدوم أو مرور المعلم إتجاهنا أو بالقرب من تلك الأماكن .

خوفا من أن لا يلقانا و نحن في هذه الحالة مما يعرضنا للمساءلة و العقاب نتيجة التسيب و إهمال الواجبات .

تتفاوت درجات العقوبة أنذاك داخل المدرسة حسب خطورة و حجم الخطأ ما بين : -

. الجلوس علي الركبتين و رفع اليدين بإتجاه الحائط لفترة طويلة نسبيا .

. الضرب علي اليدين بسوط موجع أو عصا و لو بتأخر بسيط بعد رنين الجرس .

. الضرب علي المؤخرة بعد تقييد حركة الرجلين و اليدين بواسطة 4 أشخاص و هو ما يسمي حينها بالأربعة ( par quatre ) .

. الطرد أو الفصل .

كل هذه الإجراءات التأديبية كانت تفرض علي التلميذ داخل محيط المدرسة ضمن ضوابط ملزمة تفرض عليه الإنصياع و إحترام المعلم و الإندماج داخل الفصل .

دون إعتراض أو رفض من أي كان .

حيث كان أولياء الأمور يربون أبناءهم علي حسن الأدب و إحترام الأكبر سنا و تقدير المعلم ،

و مع ذلك لم تسقط السماء علي الأرض .

و هو ما كان له الأثر الكبير في خلق جيل متعلم و منضبط تولي لاحقا مسؤوليات كبيرة في إدارة الشأن العام و تدرج في مناصب عليا ،

خدم الوطن من مواقع مختلفة و متباينة .

إلا أنه بمضي الوقت و مع تراجع القيم المجتمعية و تغيير المفاهيم و إهتزاز الثوابت الدينية و الوطنية و طغيان المادة و إنتشار إستخدام حبوب الهلوسة و المؤثرات العقلية داخل الوسط المدرسي.

و بعد سنوات من منع العقاب البدني داخل مؤسسات التعليم ،

نجد أن كثيرا من أبناء الجيل الصاعد قد فسد من جراء عدم إستخدام هذ الأسلوب التأديبي في مراحل التعليم الأولي .

خاصة أمام تأثيرات عولمة غزت البيوت و أستباحت الأعراض و الخصوصيات و ساهمت بشكل أو بآخر في نشر ثقافة العنف و إنحدار القيم ،

بالطبع أساليب كانت تستخدم في التربية لها إيجابياتها الكثيرة كما ذكرنا في السابق و سلبياتها الخطيرة من قبيل الإفراط في التعذيب النفسي و الجسدي و ما قد يسببه من إضطرابات شخصية للطالب و حرمانه من الدراسة

لما تجسده من تصرفات غير مناسبة و أفعال يجرمها القانون .

واقع أندثرت معه هيبة و مكانة المعلم ما بين التطاول عليه لفظا من بعض الطلاب المنفلتين أخلاقيا إلي التعدي عليه جسديا تارة داخل محيط المدرسة دون وجه حق للرد بالمثل و تارة أخري من رجال أمن كما حصل مع معلم خلال العام الماضي وسط وقفات إحتجاجية للمعلمين مطالبة بتحسين وضعيتهم .

شاءت الأقدار ان صفع شرطي معلما ضمن المحتجين أسقطه أرضا.

دون ان تقدم الأجهزة الأمنية إعتذارا رسميا للمعلمين ،

و كأن شيئا لم يحدث .

و إن كان ذلك ضمن حالات قليلة و شاذة نتيجة ضياع كرامة و إحترام ظلت إلي وقت قريب محفوظة و مصانة.

إضافة لما سبق ذكره يجمع كل المراقبين بشأن التعليم إلي أن ظاهرة عدم إحترام الطلاب للمعلم تعود لأسباب و عوامل متباينة أبرزها عدم إستطاعته إتخاذ أي قرار بحق غير المنضبط .

و تراجع دور الأسرة بشأن العمل علي تنمية إحترام المعلم و قدسية مكانته في عقول الأبناء .

بالإضافة للدروس الخصوصية التي يقدمها المعلم خارج فضاء المدرسة و التي قللت من هيبة المعلم .

حيث أزالت الحواجز فيما بينه و بين الطلبة الذين يحصلون عليها .

في ظل شعور الطالب ضمن هؤلاء ان المعلم أصبح مدينا له ،

فهو الطالب الذي يدفع له .

و بالتالي لا يستطيع المعلم أن يواجهه بأخطائه أو نواقصه،

في الوقت الذي كان فيه المعلم في الماضي بمنزلة الأب في البيت و المدير في المدرسة .

من جهة أخري يلاحظ تراجع صلاحيات المعلم بشكل مشهود ،

بحيث أقتصر دوره الآن علي تلقين المعلومات في ظل تحولات إجتماعية و تقنية حديثة .

تتطلب تطوير أدوات المعلم و مهاراته ليلائم العصر الرقمي و يتفاعل مع التحديات الجديدة في مجال التعليم مثل إستخدام التكنولوجيا و التواصل مع أولياء الأمور و الطلاب و الزملاء لإدارة الصف و قيام علاقة إيجابية .

تأسيسا لما سبق فإن هيبة و مكانة و إحترام المعلم أصبحت قاب قوسين أو أدني من الضياع .

ما لم تكن هناك حلول ناجعة من الجهات الوصية و المعنية للعودة بالمعلم إلي ما يستحقه بالفعل من موقع بارز و متميز ،

لائق بكينونته و وضعه المهني و الحياتي .

في إطار المواءمة بين النظام القديم و الحديث .

وتمكين المعلم من تقنين جديد و تشريعات تحميه دون تأييد للعنف أو الدفاع عن متورطين في جرائم عنف بينة .

بحيث تمسك العصا من النصف .

علي نحو يجرم العنف المدرسي و الضرب المبرح و الإفراط في التعذيب

مقابل عدم تجريم إستخدام العصا بلباقة و في حدود التأديب الخفيف للتخويف فقط ليس إلا .!!

تحية تقدير و إحترام لكل معلم مخلص يبذل جهده في تعليم أبناء وطنه .

 

اثنين, 27/10/2025 - 06:51