
وصف زعيم حركة "إيرا"، النائب البرلماني بيرام ولد الداه ولد اعبيد إعلان الرئيس محمد ولد الغزواني الحرب على الفساد، بأنها "حرب شكلية بلا أسلحة وبلا نتائج، ولا أثر لها في الواقع". مضيفا بأن ولد الغزواني "لم يتحرك إلا بعد فضيحة تقرير محكمة الحسابات، وبخطوات رمزية لا تغير واقع نهب الدولة ودمار المؤسسات".
وقال بيرام ولد اعبيد في رسالة له من بروكسيل، تحت عنوان: "كيف نوقف و نبتر سرطان الفساد المتفشي في بيوت حكم الدولة الموريتانية":
يعيش الشعب الموريتاني، منذ عقود، حالة عجز وألم أمام عملية النهب الممنهج لثرواته الوطنية. فالأنظمة المتعاقبة لم تكتفِ بتكريس هذا المسار، بل قامت بتسريعه وتوسيعه حتى باتت البلاد على حافة الهاوية.
تؤكد مؤشرات الفقر المدقع، والبطالة الواسعة، وانهيار التعليم، وارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال، حجم الكارثة التي نعيشها اليوم.
وتوثق تقارير منظمة الشفافية الدولية والمنتدى الاقتصادي العالمي هذا النهب المنظم لثرواتنا، لتصبح موريتانيا رمزا من رموز الفساد في إفريقيا(درجة مائه و ثلاثين عالميافي مؤشر الرشوة)، حيث تنهب النخب الحاكمة المال العام بلا رحمة أو ضمير.
ورغم الشعارات الرنانة والوعود الزائفة التي يرفعها كل نظام جديد يحكم البلاد، حول الإصلاح ومحاربة الفساد، فإن الواقع يكشف عكس ذلك، فالبلاد تغرق كل يوم في مستنقع الفساد والفشل.
من الحزب الجمهوري، إلى الإنصاف، مرورا بعادل، والاتحاد من أجل الجمهورية، لم يتغير شيء: نفس الوجوه، نفس المافيات، ونفس الأساليب في نهب المال العام. لقد أصبحت الدولة بأكملها أداة لخدمة مصالح عصابة صغيرة على حساب الشعب.
تعود جذور هذا الفساد المستشري إلى طبيعة النظام السياسي القائم على حزب الدولة، الذي جعل من الانتماء الحزبي صك براءة، ومصدرَ حماية للمسؤولين الذين ينهبون المال العام دون رادع، وجعل من الوظيفة العمومية وسيلة للإثراء غير المشروع. وتحولت الإدارة إلى ذراع انتخابية للحزب بدلا من أن تكون جهازا وطنيا لخدمة المواطنين.
أما البرلمان، فقد تم ترويضه عبر الامتيازات والمنافع الخاصة، فتحول إلى مجرد غرفة صامتة لا هم لها سوى التزكية والتصديق على قرارات الحكومة، بدل أن يكون سلطة رقابة وتشريع.
و لم تكن لجنة التحقيق البرلمانية لعام 2020 سوى مناورة سياسية وأداة لتصفية الحسابات، لا خطوة جادة في محاربة الفساد.
وفي المقابل، تعاني هيئات الرقابة من نقص كبير في الموارد البشرية، وتدهور البنية الإدارية، مما يجعل نتائج عملها هامشية وغير مؤثرة.
كما أن هيكل الإدارة العمومية، وآليات التعيين، وضعف القدرات المؤسسية، وغياب التقييم الموضوعي للسياسات العامة، كلها عوامل جعلت من المال العام فريسة سهلة في أيدي قلة لا تعرف سوى منطق الغنيمة.
وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، لم يقدّم للمحاسبة سوى عدد محدود من الموظفين، وغالبا ما يكون ذلك في إطار تصفية حسابات سياسية، وفي الكثير من الأحيان تمت تبرئتهم، في مشهد يعكس سياسة الإفلات التام من العقاب.
ولا تتجاوز عمليات الرقابة السنوية سوى خمسة في المئة (5%) من مجموع النفقات العامة التي تتجاوز ألفين مليار أوقية، وهو رقم يفضح هشاشة المنظومة الرقابية برمتها.
أما الرئيس الحالي، الذي أعلن منذ 2019، “حرباً بلا هوادة على الفساد”، فقد أثبت الواقع أن حربه شكلية بلا أسلحة وبلا نتائج، ولا أثر لها في الواقع، وأنه لم يتحرك إلا بعد فضيحة تقرير محكمة الحسابات، وبخطوات رمزية لا تغير واقع نهب الدولة ودمار المؤسسات.
إن الفساد في موريتانيا لم يعد حالة إدارية، بل أصبح نظام حكم متكامل، يقوم على المحاباة، والولاءات الشخصية، وبتواطؤ من النخب السياسية والمالية. وتتطلب مواجهته إصلاحاً جذريا وشاملا في بنية الدولة ومنظومتها التشريعية والإدارية، وليس مجرد بيانات ووعود جوفاء.
وفي هذا الإطار، نطرح جملة من المقترحات العملية لإثراء النقاش حول سبل إنقاذ البلاد من هذا الدمار المؤسسي :
1. فصل الدولة عن الحزب الحاكم: على رئيس الدولة أن يثبت حياده الكامل ويتخلى عن رئاسته الفعلية لحزب الإنصاف، بما يضمن الفصل النهائي بين الحزب والدولة ويضع حدا لظاهرة حزب–الدولة التي خنقت البلاد منذ الإعلان عن الديمقراطيةالمجتزأة في مطلع التسعينات.
2. وقف المواكب السياسية باسم الدولة: يجب أن تقتصر زيارات الرئيس على لقاء السلطات المحلية والمنتخبين والفاعلين المحليين، ومنع مشاركة أي موظف غير معني.
3. إصلاح آلية إعداد قوانين المالية: يجب أن تكون قوانين المالية نتاج مشاورات شاملة تضم أجهزة الرقابة، ومراكز البحث، والمجتمع المدني، وأن تخضع لنقاش وطني مفتوح حول أولويات الإنفاق.
4. تعزيز قدرات محكمة الحسابات وأجهزة الرقابة وذلك بتوظيف ما لا يقل عن 300 قاض ومدقق ومفتش مالي عن طريق مسابقات نزيهة وشفافة، لتتمكن المحكمة من المراقبة السنوية لجميع المؤسسات مع نشر تقارير سنوية عن أداء جميع المؤسسات العمومية.
5. الاستعانة بمكاتب تدقيق دولية مستقلة لمراجعة قوانين المالية ودعم عمل أجهزة الرقابة الوطنية لضمان النزاهة والشفافية.
6. إخضاع رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى للرقابة من طرف محكمة الحسابات ونشر نتائجها ضمن التقرير العام للمحكمة لضمان الشفافية في أعلى هرم السلطة.
7. تفعيل الدور الرقابي للبرلمان بإنشاء 5 لجان تحقيق سنوية علي الاقل، ومساءلات أسبوعية علنية للحكومة أمام النواب، وضمان حضور الوزراء للمساءلة وكذالك حمل النواب بنص قانوني بالإعلان عن ممتلكاتهم عند دخول البرلمان و عند نهاية مأمورياتهم و حظر المنافسة في الصفقات العمومية على المنتخبين.
8. إصلاح الإعلام العمومي بشكل جذري وتحويله من أداة للدعاية والتطبيل إلى فضاء حر للتعددية والرقابة الشعبية، يفتح المجال لجميع الاتجاهات الفكرية والسياسية، خاصة المعارضة الديمقراطية، ويحقق في قضايا الفساد.
9. إخضاع جميع العقود والاتفاقيات الدولية للمراجعة من قبل هيئات حكومية ومكاتب مستقلة، لضمان انسجامها مع المصلحة الوطنية والتنمية الاقتصادية المستدامة.
10. إطلاق نقاش وطني عاجل وشامل حول الفساد ونهب المال العام، كقضية وطنية تتطلب تعبئة شاملة، بمشاركة كل القوى الوطنية، باعتباره أولوية وطنية تتقدم على أي “حوار سياسي” شكلي.
11. إصلاح نظام التعيينات باعتماد مبدأ الكفاءة والاستحقاق بدل الولاء السياسي والمحاباة القبلية و التدقيق الصارم في الشهادات و الكفاءات التي استظهر بها و سيستظهر الموظفون و المكتتبون.
12. تفعيل آليات المراقبة عبر إلزامية التصريح العلني بممتلكات المسؤولين قبل تولي المنصب وبعده، وإتاحة هذه التصاريح للمواطنين ووسائل الإعلام.
13. رقمنة الخدمات والإجراءات الإدارية بهدف تقليل الاحتكاك بين المواطن والموظف، وتجفيف منابع الرشوة والابتزاز داخل الإدارات العمومية، وتسهيل تتبع العمليات المالية للدولة.
14. سنّ قانون صارم لتضارب المصالح يمنع كبار المسؤولين وأقاربهم من الدخول في الصفقات العمومية أو الاستفادة منها بشكل مباشر أو غير مباشر.
15. مراجعة واسعة للصفقات العمومية عبر نشر جميع العقود الكبرى (البنى التحتية، الطاقة، المعادن…) على منصات مفتوحة تُمكّن المواطنين من الاطلاع عليها ومساءلة المسؤولين عنها.
16. إعادة الاعتبار للقضاء عبر:
• تعزيز الاستقلالية التامة للسلطةًالقضائية عن السلطة التنفيذية
• دعم قدرات القضاة ماديًا ومهنيًا.
17. استرداد الأموال المنهوبة بملاحقة المتورطين داخل وخارج البلاد، واللجوء إلى التعاون القضائي الدولي لمتابعة شبكات الفساد واسترجاع الأصول المختلسة.
18. حماية المبلّغين عن الفساد من أي ملاحقة إدارية أو قضائية، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن التجاوزات من خلال آليات آمنة وسرية.
19. مراجعة النظام الانتخابي لضمان تمثيل حقيقي للشعب وتقليص تأثير رأس المال السياسي والقبلي على العملية الانتخابية، ما يسهم في إفراز نخب جديدة نظيفة الكف.
20. توجيه جزء معتبر من الميزانية إلى التعليم والصحة والتشغيل بدل الإنفاق السياسي والزبوني، مع تقييم دوري وشفاف لأثر الإنفاق العمومي على حياة المواطنين.
وأخيرا فإن استعادة الدولة من براثن الفساد ليست معركة سياسية فقط، بل معركة بقاء وكرامة لكل الموريتانيين.
ولا يمكن لأي إصلاح أن يرى النور ما دام الإفلات من العقاب هو القاعدة، ونهب المال العام هو الامتياز الحصري لأصحاب النفوذ.
وعليه، فإننا ندعو كل القوى الوطنية الغيورة على البلاد إلى الانخراط في هذه المعركة المصيرية، دفاعًا عن الأجيال القادمة ومستقبل الوطن."


.gif)
.jpg)


.jpg)