مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

الانقلابات العسكرية بمنطقة غرب افريقيا: السياقات والدوافع/بقلم: اباي ولد أداعة

الإنقلابات العسكرية في إفريقيا ليست مجرد أحداث معزولة بل ظاهرة متجذرة تعكس أزمات عميقة في الحكم و حوكمة الموارد و تحقيق التنمية ،
حيث يري العسكريون أنفسهم أحيانا كبديل لإنقاذ الوطن من الفساد و الفوضي العارمة .
 بحيث تعاني منطقة غرب إفريقيا منذ فترة من إضطرابات عميقة و عدم إستقرار سياسي خطير.
واقع شكل بئة خصبة ومناسبة للإطاحة بالأنظمة الديمقراطية المنتخبة و القائمة مع اتساع و انتشار موجات عدوي الإنقلابات داخل المحيط الإقليمي.
سرعان ما تحظي هذه الإنقلابات المتكررة بإجماع عسكري و تأييد شعبي واسع رغم إختلاف طبيعتها من انقلاب نخبة عسكرية علي رئيس منتخب إلي انقلاب نخبة عسكرية علي نفسها.
تثير في عمومها موجات غضب و إدانة و استنكار واسعة و مواقف دولية مطالبة بالإفراج الفوري و إعادة السلطات الدستورية و العمل بروح الدستور.
قد لا يمنع من وجود مفاوضات وترتيبات غير معلنة مع الأطراف المختلفة.
سرعان ما تتقلص هذه المواقف و يتلاشى هذا التعاطف مع مرور الزمن من خلال تجاوز بعض المعطيات و السكوت عن الممنوع منها في ظل تراجع وتيرة الرفض و حجم ضغوط المجتمع الدولي و الإتحادين الأوروبي و الإفريقي اتجاه الإنقلابيين بحكم العجز و الفشل في إيجاد حلول بديلة و تبني وسائل ردع مؤثرة في ظل ضعف تأثيرات العقوبات و عدم جدوائيتها و تقاطع المصالح و بالتالي الإستسلام و الإعتراف بأمر الواقع في إطار الشرعنة لمرحلة انتقالية جديدة وهكذا دواليك.
مما عزز من تنامي و تفشي هذه الظاهرة سيئة السمعة و مخلة بالقيم الديمقراطية و معيقة للتنمية المستدامة.
و فاقم أيضا من تهديد الإرهاب و التطرف العنيف و الإنفلات الأمني داخل المنطقة.
في حين يري بعض المحللين للشان الإفريقي أن إفريقيا مازالت بحاجة ماسة إلي بناء مؤسسات راسخة تمنع تكرار هذه الظاهرة بقوة القانون و الدساتير و تعمل علي ترسيخ مفاهيم الحكم الديمقراطي و المدني علي جميع المستويات .
خاصة في ظل عدم استيعاب الدور الوطني للجيوش.
و عدم ممارسة النخب السياسية لما يكفي من العمل الديمقراطي و الإلتزام بالتناوب الديمقراطي و الإبتعاد عن تكريس حكم الفرد و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة و محاربة الفساد في كل تجلياته.
ففي هذا السياق شهدت دولة بنين اليوم و علي وقع الأوضاع الإقتصادية المتردية المعاشة و السياسية المتأزمة و نهج الإستبداد ،
محاولة إنقلاب فاشلة  بعد أن أعلن عسكريون في وقت مبكر عبر التلفزيون الرسمي أنهم تمكنوا من الإستحواذ علي السلطة و عزل الرئيس باتريس تالون من منصبه و إغلاق الحدود و حل جميع المؤسسات كما جرت العادة في مثل هذه الظروف .
قبل أن يتدخل الجيش و يسيطر علي الوضع و يعيد الأمور إلي حالتها الطبيعية .
حدثت هذه المحاولة رغم أن الرئيس تالون سبق و أن نفي نيته الترشح لولاية ثالثة و أنه لن ينهك أو يخرق دستور البلاد الذي ينص منح الرئيس المنتخب فترتين رئاسيتين فقط .
من المنتظر أن تنتهي عهدته بعد انتخابات ابريل 2026 مباشرة  وتسليم السلطة لخلفه المرتقب حينها .
بالمقابل نددت بشدة بهذه المحاولة الفاشلة كل من المجموعة الإفريقية الإقتصادية لدول غرب إفريقيا ( ايكواس) و الإتحاد الإفريقي بالإضافة إلي السفارة الفرنسية في بنين ،
مؤكدين علي إحترام الدستور و دعم الشرعية و دولة بنين .
 تأتي هذه المحاولة الفاشلة بعد اسبوعين من وقوع انقلاب عسكري ناجح بغينيا بيساو نفذه رئيس أركان الجيش الجنرال هورتانتام 
 عشية الموعد المحدد لإعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية و التشريعية ،
الذي عين رئيسا للمجلس العسكري و رئيسا للمرحلة الإنتقالية بعد تأديته اليمين الدستوري .
أطاح برئيس البلاد المنتهية ولايته عمر سيسكو امبالو ،
الذي وجد نفسه خارج اللعبة بقوة نيران المدافع ،
متوجها إلي دولة السينغال كمحطة أولي قبل أن يستقربه الحال بالكونغو ابرازافيل ،
بإستيلاء الجيش في غينيا بيساو علي السلطة أرفع عدد الإنقلابات في القارة الإفريقية المضطربة إلي 10 انقلابات خلال 5 سنوات فقط و هي فترة تقدر بعمر مأمورية رئاسية دستورية واحدة من متوسط المأموريات .
و هو ما يؤكد أن غينيا بيساو لا تزال أسيرة لتاريخ مضطرب و دوامة من التدخلات العسكرية علي غرار دول الجوار بمنطقة الساحل و التي شهدت حالات مماثلة : مالي ، اتشاد ، غينيا ، بوركينافاسو ، النيجر ، و الغابون . 
كما ان لموريتانيا أيضا تاريخا طويلا و مليئا بالإنقلابات العسكرية منذ قيام الدولة المركزية 1960 م ،
حيث شهدت البلاد سلسلة من الإنقلابات  ما بين الناجح و الفاشل ( مجموعها حتي الآن 15 إنقلابا عسكريا خلال 48 عاما من قيام الدولة رقم قياسي كبير و كبير جدا .
أعاق التنمية و شل الإقتصاد و ألقي بظلاله علي أمن و إستقرار البلاد و علي العملية الديمبراطية ) 
كان أبرزها الإنقلاب الأول 1978 م الذي أطاح بأول رئيس مدني مؤسس البلاد المرحوم المختار ولد داداه ،
وصولا إلي آخر إنقلاب 2008 م قاده الرئيس الأسبق السيد  محمد ولد عبد العزيز  ،
ضد أول رئيس مدني منتخب المرحوم سيدي ولد الشيخ عبدالله، 
مما جعل العلاقة بين العسكر و السلطة جزءا أساسيا من المشهد السياسي الموريتاني ،
بمعني ( ديمقراطية بجلباب العسكر ) 
لاشك أن معظم الأزمات التي تعاني منها إفريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية و غياب القيادة الصالحة بالإضافة إلي سوء إدارة الدولة و تراكم الفساد و هشاشة المنظومة الصحية و فشل نظام التعليم و ارتفاع المديونية و الأسعار و تدني مستوي المعيشة و تراجع النمو و انتشار البطالة و إثارة النعرات و النزاعات و الإحتراب الطائفي و الإثني.
مما ساهم في عدم تحقيق غايات التنمية المنشودة.
و زاد من تفاقم أزمة هجرة الشباب و الكفاءات خارج الديار في ظل عجز و فشل سياسات الحكومات لتشغيل و اندماج الشباب داخل الأوطان.
 في حين يلاحظ جليا أن أغلب الدول الناطقة بالفرنسية و المستعمرة سابقا تصنف اليوم من أكثر دول القارة الإفريقية فقرا و أقلها إستقرارا حيث مازال أكثرها يخضع لأنظمة سلطوية أو تعاقبت فيه إنقلابات عسكرية مقارنة بالدول الناطقة.بالإنجليزية الأكثر إستقرارا و الأنجع إقتصادا.
وضع ألقي بظلاله علي العلاقات جيوسياسية و المزيد من التوتر في المواقف الدولية من دول المنطقة اتجاه فرنسا لتبنيها سياسات و استراتيجيات خاطئة ضد حكومات و شعوب مناطق نفوذها التاريخية مما أفقدها دورها الريادي و قلص من نفوذها لصالح قوي اقتصادية و عسكرية صاعدة كروسيا والصين و تركيا …الخ
 بينما يجمع بعض المختصين في قضايا الأمن و التطرف والإرهاب أن من شأن دخول هذه الدول التي شهدت محاولات أو إنقلابات عسكرية خلال الآونة الأخيرة في فوضي سياسية و أمنية عارمة أن تكون له تداعيات عصيبة داخل منطقة الساحل الإفريقي و علي الدول العربية المجاورة علي غرار الجزائر و ليبيا و ايضا موريتانيا و السودان بحكم و قوعهما في منطقة الساحل سواء من حيث تدفق المهاجرين و المجموعات المسلحة المرتزقة و الإرهابيين و نشطاء الجريمة المنظمة و ضياع المصالح الاقتصادية و الإستراتيجية.
إننا في محيط إقليمي و دولي نؤثر كما نتأثر.
تأسيسا لما سبق نجد أن الأنظمة الإفريقية لها قاسم واحد مشترك يتمثل في غياب الحكامة الرشيدة و تعثر الديمقراطية و عدم تحقيقها للتوقعات و النجاحات التي انتظرتها شعوب المنطقة .
إضافة إلي أفتقارها لأسباب عوامل الرعاية و التعزيز  و هشاشة الإقتصاد و تفشي الفساد و انتشار البطالة و هجرة الشباب ... 
حيث تتركز الثروات في يد فئات قليلة معينة دون غيرها سواء داخل النظام أو تلك التي تدور في فلكه .
بالإضافة إلي التحديات الأمنية و النزاعات الداخلية و الخارجية التي تضعف بنية الأنظمة و تستنزف الموارد الشحيحة في الأصل
مع عدم إحترام المواثيق الديمقراطية و الدساتير و لجوء كثير من الرؤساء الأفارقة المدنيين لتمديد فترات حكمهم أو تحايل بعضهم عبر تزوير نتائج الإنتخابات أو توريث السلطة لابنائهم، 
مما يغري العسكريين و يمنحهم مشروعية الإنقلابات .
إذ لاشك أن الإنقلاب آلية غير دستورية للإستيلاء علي السلطة .
إلا أنها تبقي الوسيلة الوحيدة المتاحة للتغيير داخل إفريقيا .
بالمقابل يجمع كل المحللين للشأن السياسي الإفريقي أن القناعة الراسخة و الوعي السياسي الحاصل إفريقيا و الرافض دستوريا لمأمورية رئاسية ثالثة علي مستوي بعض دول القارة و المحصن ديمقراطيا من عبث الخلود في السلطة هو مؤشر جيد لمستوي النضج نحو إشاعة ثقافة التناوب الديمقراطي السلمي و إحترام المضامين الدستورية.
لعل ذلك ما جسدته علي أرض الواقع الجارة الجنوبية السينغال بإجرائها إنتخابات رئاسية ديمقراطية نموذجية أثبتت من خلالها للعالم أن الشعوب قادرة علي التغيير السياسي و التداول السلمي علي السلطة بالأدوات السلمية و الديمقراطية الداخلية .
رغم كل ما يبدو من تحديات يبقي الأمل قائما من أجل مستقبل واعد لإفريقيا و غد أفضل و حياة كريمة لأبناء القارة في ضوء عوائد انتاج نفط و غاز مرتقبة و احتياطات كبيرة من الطاقة الأحفورية و استغلال مشاريعها في مجال الطاقة المتجددة الآخذة في التوسع مما سيعزز مسار التنمية الإقتصادية و يوفر مصادر العيش للملايين و يحد من هجرة الشباب و أصحاب الكفاءات .
 بالإضافة إلي انعكاساته الإيجابية علي قطاعات الصحة و التعليم و ضخ المياه و تحليتها و إنتاج الكهرباء و الأغذية الزراعية و غيرها . 
بالمختصر المفيد ما تحتاجه إفريقيا اليوم أكثر من أي وقت مضي هو ديمقراطية حقة و حكامة رشيدة تؤسس لمرحلة جديدة من التعايش السلمي و قطيعة تامة مع الفساد و ممارسات الماضي الخاطئة و تحدث نقلة نوعية لمسيرة التنمية داخل القارة .
فإلي متي ستظل الإنقلابات العسكرية تجسد و تكرس عقدة الأفارقة في تدبير الوصول إلي السلطة ؟!

حفظ الله إفريقيا 
 

أحد, 07/12/2025 - 22:56