مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

اليوم الدولي لمكافحة الفساد وضرورة التذكير بمخاطره/بقلم: اباي ولد اداعة

يصادف اليوم الدولي لمحاربة الفساد 9 دجمبر من كل عام ، حيث يشكل هذا الحدث فرصة للتذكير  بأهمية مواجهة الفساد في كل تجلياته و في مختلف جوانب الحياة .
و قد أطلقت الأمم المتحدة هذه المناسبة بهدف تعزيز الوعي العالمي بضرورة تبني موقف واضح و فاعل ضد هذه الظاهرة المدمرة للدول و الإقتصادات و المجتمعات .
ففي سياق ذالك تتنزل تغريدة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني  ،
التي بعث بها عبر منصة تويتر x ،
إحتفاءا بهذه المناسبة  الدولية الهامة و الهادفة. 
لتؤكد إلتزام الدولة الموريتانية بمواجهة الفساد و الرشوة بلا هوادة . 
و ترسيخ قيم النزاهة و الشفافية .
واصفا مكافحة الفساد بأنها معركة وطنية و مسؤولية مشتركة .
تتطلب تضافر جهود الجميع و تؤكد إستمرار جهود الحكومة في هذا الإتجاه .
لا شك أن أهم مؤشر
 لتفشي الفساد داخل بلادنا و علي المستوي الرسمي، 
هو حجم و خطورة التقارير الواردة من المفتشية العامة للدولة و محكمة الحسابات و المفتشيات المالية الداخلية للقطاعات الوزارية .
التي تتضمن كشف الثغرات و الخروقات الحاصلة في تسيير بعض القطاعات الوزارية و كباريات الشركات الخدمية و المؤسسات العمومية. 
بالإضافة إلي الإفصاح و الإعلان عن حالات فساد موثقة وبالجملة و التفاصيل المملة .
لذا فإن نشر تقارير هيئات التفتيش و الرقابة بشأن الفساد ينبغي أن يكون نتاج عمل مهني دقيق يهدف إلي تعزيز مبادئ الشفافية و المساءلة و المحاسبة 
و علي نحو يمهد لإقالات و إعتقالات في صفوف المفسدين و إحالتهم للعدالة و إسترجاع الأموال المنهوبة .
ما عدي ذلك فهو عود علي بدء و إستمرار لنهج الفساد .
بالطبع تقرير محكمة الحسابات الأخير الذي تم تضخيمه علي نحو غير مسبوق و بشكل مخيف ( 450 مليار اوقية ) ،
 شغل الرأي العام و أثار جدلا كبيرا و زخما إعلاميا واسعا دفع الدولة لإظهار الجدية في محاسبة المتورطين .
يبدو اليوم كأنه جعجعة بلاطحين. 
في الوقت الذي قامت فيه النيابة العامة بحفظ الدعوي بحق 24 شخصا هم معظم المشمولين في ملف ما بات يعرف بتقرير محكمة الحسابات و إحالة 6 إلي السجن في انتظار المتابعة القضائية. 
و هو إجراء إداري أو تحقيقي ليس حكما نهائيا، 
يوقف الحقوق مؤقتا لعدم كفاية الأدلة و يعيد القضية إلي نقطة البداية ،
و يحافظ علي حقوق المدعي عليه من الإتهامات غير مؤكدة .
و هو ما قد يسبب حرجا للدولة كأنها تحمي بعض المسؤولين و تضحي بآخرين حسب تفسيرات بعض المراقبين و المحللين
و ذلك بعد تجريد و إقالة كل المشمولين بالتقرير من مناصبهم و وظائفهم  و التشهير بأسمائهم إعلاميا و عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
مما ساهم بشكل أو بآخر في توريطهم و الزج بهم في ملفات و قضايا فساد دون إثبات مسؤوليتهم عنها .
و هو ما سبب لهم ولذويهم و أسرهم أضرارا نفسية و معنوية و إحراجا كبيرا أمام الناس و المجتمع. 
كيف سيتم إنصافهم و إعادة الإعتبار لهم في هذه الحالة ؟
خاصة أن إقالة أو تجريد مسؤولين مشمولين بتقرير المحكمة ينبغي أن يوحي بوجود شبهات قوية  ،
لكن حفظ النيابة للدعوي يلغي المساءلة الجنائية ،
مما يخلق تناقضا بين الإجراءين .
حينما تكون تقارير محكمة الحسابات غير دقيقة و مليئة بالأخطاء ،
يضعف ذلك من مصداقيتها و مهنيتها بشكل كبير، 
و يقوض الثقة في نزاهة عملها الرقابي و التفتيشي .
و يفقدها قيمتها كأداة للمساءلة و المحاسبة. 
و يؤدي إلي تحميل أخطاء لغير المسؤولين أو إعفاء المخطئين. 
مما يقلص من الأثر الرقابي لتقاريرها و يفقدها دورها الأساسي و هو ما قد يقلل بالتالي من أهمية و جدية  الحرب المعلنة علي الفساد .
بما أن القانون يلزم محكمة الحسابات بنشر تقاريرها ،
فإن التقصير في الدقة يعد إخلالا بهذا الواجب .
 بالتأكيد الفساد عندنا أضحي ثقافة و سلوكا و ممارسة سائدة داخل المجتمع و هواية متأصلة لدي معظم نخبنا الوطنية، 
أخذت شكل لوبيات قوية و متحكمة متنفذة و مسيطرة في كل الأوقات و المناسبات أخترقت مفاصل الدولة و مؤسساتها.
فهو لا يحتاج لتقارير الهيئات الرقابية( محكمة الحسابات ، المفتشية العامة للدولة ... ) أو غيرها .
بل يتطلب إرادة جادة وصادقة و دراية و خبرة  و مهنية للوقوف عليه .
فهو يري بالعين المجردة و بالشعور بتأثيراته السلبية في مختلف مناحي الحياة من خلال : -
. تدهور و تدني الخدمات العامة : مثل الصحة ، التعليم ، الماء ، الكهرباء ، البني التحتية....الخ .
. التلاعب بالمال العام : مثل الفساد في المشاريع و إبرام الصفقات أو العقود. ....الخ .
. الوساطة و المحسوبية : من المؤكد أن ممارسات من قبيل المحسوبية أو الزبونية أو التحيز أو المحاباة السياسية ما فتئت تخلق تضاربا في المصالح و تكافؤ الفرص داخل المجتمع، 
تقوض بناء الديمقراطية و تقلص مجال دولة المواطنة و القانون و المؤسسات. 
صحيح نحن مجتمع متناقض ننبذ الفساد و نتعايش معه بإنتظام حكومة و شعبا بحيث أن المفسد فينا المقال من عمله أو وظيفته نتيجة سوء تسيير أو تدبير أو فساد أو نهب أموال الشعب المطحون .
يلقي حماية من أصحاب النفوذ السياسي و المالي و شيوخ القبائل. 
و يستقبل داخل أوساطه الإجتماعية بالزغاريد و ضرب الطبول و بحفاوة في جو من الإحتفالات الرهيبة علي مرأي و مسمع من السلطات و من الجميع و كأنه بطل قومي ،
في إنتظار تدوير قادم أو ترقية في مناصب حكومية عليا .
هذا هو السلوك المتبع و المعمول به بشكل عام و الذي أصبح جزءا من العادات و الممارسات اليومية و التقاليد الراسخة داخل البلاد .
من جهة أخري و علي نحو مستمر تنفجر و تنكشف يوما بعد يوم خيوط فضيحة جديدة مدوية و صادمة داخل قطاعات و مؤسسات حساسة كانت بالأمس القريب بمنأي عن الشبهات. 
تتصدر عناوين أخبارها منصات التواصل الإجتماعي و بالتفاصيل الدقيقة و المملة قبل الهيئات الرقابية. 
هل هذا غريب في بلاد تهدر فيها الأموال و تنهب و شعبها يعاني و يكابد ؟! 
هل هذا غريب في بلاد جميع الفاسدين فيها هم في مراكز القرار ؟!
في حين يجمع كل المحللين و المراقبين للشأن الوطني. 
أن من بين الأسباب و العوامل المباشرة و النتائج الحتمية لتفشي و إنتشار الفساد علي نطاق واسع داخل الوطن ،
و علي نحو أعاق النهوض بالتنمية الإقتصادية و الإجتماعية و ساهم في تقويض مفهوم الدولة و عرقل جهود التنمية .
كما شل المنجز والمأمول من المشاريع الوطنية الخدمية و الإنمائية. 
و كرس الفوارق الإجتماعية من خلال الغبن والتهميش ،
 مما كاد أن يلقي بظلاله علي التعايش و السلم الأهلي. 
ما يلي : -
. غياب إرادة صادقة لمحاربة الفساد. 
. التراخي و التمايز في تطبيق القانون. 
.غياب الوازع الديني و الحس الوطني. 
. النفاق السياسي و تكريس الحكم الأحادي  .
. جشع المال والرغبات .
. سهولة الإفلات من المساءلة و العقاب .
. تدوير المفسدين و إعادة توزير نفس العائلات دون غيرهم من أبناء الوطن .
. نفوذ القبيلة و الجهة ( بحيث القبيلة  بيئة مناسبة و حاضنة و محمية للفساد ) .
. تمكين و إحتكار الفساد ضمن طائفة من المحظوظين من ذوي القرابة و المصاهرة و أصحاب النفوذ السياسي و المال و الأعمال و شيوخ القبائل. 
. تغييب و تهميش أصحاب الكفاءات و الخبرة و النزاهة وخاصة من فئة الشباب. 
. عدم قيام الجهاز الرقابي بالدور المنوط به بشكل مهني و إنسيابي و دوري و مفاجئ في إنتظار إذن تفتيش أو إصدار برامج عمل ، (  خاصة أن بعض المؤسسات الخدمية و القطاعات الحيوية   تظل في مأمن من التفتيش و لفترات طويلة جدا تتجاوز أحيانا 4 سنين ) .
. تعطيل و تسييس دور الأسرة القضائية. 
. تدني الأجور وارتفاع أسعار المواد الأساسية .
 بالتأكيد حينما يكون الفساد هو الأصل المتجذر بعمق داخل الوطن و النزاهة و الإخلاص هما الإستثناء ،
فأعلم أن البلد في خطر .
و المجتمع سيغدو حتما فاسدا ليس إستنادا إلي التقارير الواردة من الهيئات الرقابية محليا أو مؤشرات الفساد العالمية فقط 
بل بنظر و شعور المواطن المطحون قبل العالم الآخر . 
لا شك أن الإدارة الموريتانية التي يدار معظمها بالمزاج و بإرتجالية سلبية جد مؤثرة، 
تعاني من إختلالات تراكمية عميقة لم يتم التغلب عليها بعد مثل سوء التسيير و التدبير و التجاهل و التقليل من شأن العنصر البشري الكفؤ. 
مما كان له الأثر السلبي الكبير علي ضعف أداء الإدارة و تردي الأوضاع و تعطيل الخدمات، 
و بالتالي انتشار و اتساع دائرة الفساد في كل المراحل و الإتجاهات، 
لدرجة أن المواطن فقد الثقة في الإدارة . 
وفي سياق متصل تأتي تحذيرات و تعليمات رئيس الجمهورية أنذاك بخصوص المشاريع الخدمية و وضع المؤسسات العمومية  ،
ضمن رؤية و إرادة جادة للقضاء علي الفساد من خلال إلزام الحكومة و
 مقاولي المشاريع بالتقيد بشروط دفتر الإلتزامات
بالإضافة إلي إستحداث آليات متابعة مستدامة تتيح متابعة المشاريع الخدمية الأساسية في كل مرحلة من مراحل تنفيذها بما يضمن تقليل فرص التأخير في إنجاز المشاريع و سبل الإرتقاء بمستوي الخدمات و متابعة تنفيذ المشاريع الخدمية والإنمائية و البني التحتية الأساسية مع ضرورة التقييم المستمر للأداء. 
خطوات و إجراءات تدخل في.إطار تبني
 مقاربة وطنية في مجال الحوكمة و محاربة الفساد في ضوء إستراتيجية وطنية أرستها الحكومة ،
و جسدها علي أرض الواقع معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي من خلال الزيارات الميدانية الملاحظة و المتكررة و المتابعة الصارمة لكل مكونات  البرنامج الإستعجالي لتنمية مدينة انواكشوط ،
و الوقوف علي مستوي تقدم الأشغال بالمشاريع الإنمائية الكبري قيد الإنجاز. 
حيث شدد رئيس الجمهورية في أكثر من مرة علي أن الفساد داء عضال و  ان موارد البلد المحدودة لا يمكن ان تصرف في غير ما رصدت له وأن الدولة لن توفر الغطاء علي اي مفسد مهما كان .
إلا أن محاربتها للفساد تبتعد عن الطرق الاستعراضية و أن الفاعلية تنافي الضجيج في أحيان كثيرة و ان تسييس القضايا الفنية مضر بالدول والمجتمعات .
في حين تعتمد هذه المقاربة علي رؤية شاملة ترتكز علي محددات اساسية منها : 
‐ خلق إرادة سياسية حقيقية 
‐ تكريس مبدأ فصل السلطات وذلك بمنح السلطات القضائية و الرقابية  كامل استقلاليتها في حماية المال العام وفق الضوابط القانونية المعمول بها .
‐ تفعيل الهيئات الرقابية التي تمتلك السلطة التنفيذية حق الوصاية عليها كهيئات التفتيش الداخلية ..الخ
وقد تجسدت هذه الاسترتيجية جليا في الإجراءات المتخذة اخيرا  بشأن نقل الوصاية علي مفتشية الدولة الي رئاسة الجمهورية مباشرة .
كخطوة نحو استقلال و تعزيز دور الهيئات الرقابية و توسيع صلاحيات محكمة الحسابات .
إلا أنه و في خطوة غير مسبوقة أقرت الحكومة مؤخرا قانونا صادق عليه البرلمان يتعلق بإنشاء سلطة وطنية واسعة الصلاحيات مختصة بمكافحة الفساد .
أدي رئيسها اليمين الدستوري أمام فخامة رئيس الجمهورية قبل يومين من نشر محكمة الحسابات لتقريرها السنوي الأخير المثير للجدل
أنقسم بشأنها الشارع الموريتاني ما بين مرحب و مثمن بالخطوة و مشكك بجدوائيتها خوفا من أن تلقي مصير مثيلاتها التي سبقتها و تتقاطع معها في نفس المهام و الأدوار بعدما عجزت في الحد من انتشار و محاصرة الفساد .
كالمفتشية العامة للدولة و محكمة الحسابات و المفتشية العامة للمالية .
بالإضافة إلي توسيع نطاق إلزامية التصريح بالممتلكات بهدف تعزيز الشفافية و ترسيخ النزاهة و منع تضارب المصالح ،
و هو ما أثار جدلا واسعا داخل البرلمان تم علي إثره تعديل نص القانون بشكل أستثني النواب من تضارب المصالح و التصريح بالممتلكات و أجاز تنصل المشرع الموريتاني من الإلتزام بمضامنه في خطوة مريبة لا تعزز علي الإطلاق مبدأ الشفافية. 
و في الأخير يبقي المؤشر الوحيد القوي لمدركات الفساد هو حجم التقارير الواردة من هيئات التفتيش و الرقابة دون مساءلة و أو محاسبة أو إعتقال لأي كان .
و المقاربة القائمة علي ( دولة غنية بتنوع مصادر ثرواتها الطبيعية وشعب فقير....) .
إننا في محيط إقليمي مغاربي و إفريقي مضطرب سياسيا و أمنيا نؤثر كما نتأثر .

حفظ الله موريتانيا
   اباي ولد اداعة .
.

أربعاء, 10/12/2025 - 18:40